ربيع ياسين
أكد نقيب الصيادلة في لبنان غسان الأمين أن هناك أزمة في قطاع الدواء جراء تهافت الناس على شراء كميات كبيرة منها، خوفاً من انقطاعها أو ارتفاع أسعارها.
وقال في حوار مع “الأمن” إن تصريح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حول رفع الدعم فُهم بطريقة خاطئة، وأكدّ أن الأدوية ستكون متوافرة في الأسواق قريبًا، وستكون مدعومة ولكن بطريقة منظمة.
وأوضح أن “الحلّ الأساسي لأزمتنا الحالية يبدأ بالسياسة، وذلك بوجود حكومة متجانسة تحظى بثقة الداخل والخارج تقوم بإصلاحات فورية وتعمل على وقف إنهيار الليرة”.
وفي الآتي نص الحوار :
• بدايةً، هل نستطيع القول أن لبنان يُعاني اليوم من أزمة دواء؟
– بالتأكيد هناك أزمة في قطاع الدواء، ولكن لا نستطيع أن نُصور هذه الأزمة وكأننا دخلنا مرحلة الإنهيار في هذا القطاع.
• ما سبب هذه الأزمة؟
– بعد كلام حاكم مصرف لبنان عن إمكانية رفع الدعم عن الدواء، تهافت الناس بشكل كبير إلى الصيدليات، وبدأوا بشراء كميات كبيرة من الأدوية وتخزينها خوفاً من إرتفاع أسعارها أو فقدانها من الأسواق. هذا فضلاً عن تهريب كميات من الأدوية إلى خارج لبنان لمنافع شخصية.
هذان العاملان جاءا على حساب مخزون مستودعات الأدوية الذي إنخفض بشكل كبير.
وبدل أن يخدم هذا المخزون 6 أشهر أصبح يخدم شهراً واحداً فقط. هذا الأمر أدى إلى انقطاع بعض الأدوية. وقد لجأت بعض المستودعات إلى التقنين في تسليم الأدوية إلى الصيدليات خوفاً من إنقطاعها أو تهريبها إلى الخارج.
• سمعنا مؤخراً أن بعض الصيدليات تلجأ إلى إخفاء الأدوية لبيعها في ما بعد بسعر أعلى هل هذا صحيح؟
– سبق وذكرت أن بعض المستودعات لجأت إلى عمليات التقنين في تسليم الأدوية خوفاً من نفاذها، وحرمان الناس منها وحرصًا على عدم تهريبها. هذا الأمر خلق أزمة بين المواطن والصيدلي الذي من خلاله يُباع الدواء خصوصًا وأن هناك صنفين من الناس بات الصيدلي يتعامل معهما: الصنف الأول هم أولئك الذين لم يستطيعوا تخزين أدويتهم وبالتالي فُقدت من الأسواق. الصنف الثاني أولئك الذين سيسعون إلى تخزين ما أمكن من الأدوية خوفًا من فقدانها أو إرتفاع أسعارها. وفي الحالتين تحصل المواجهة مع الصيدلي وهو من يدفع الثمن كونه الحلقة الأخيرة في تسليم الدواء. وبالتالي فإن الكلام عن تخزين أدوية من قبل الصيدليات ليس صحيحًا.
• برأيك، إلى متى سيبقى مصرف لبنان يدعم قطاع الأدوية؟
– إن حجم قطاع الأدوية الذي يدعمه المصرف المركزي اليوم، لا يتجاوز الـ800 مليون دولار، وهذا المبلغ لا أعتقد أنه يشكل عبئًا كبيرًا على إحتياطي مصرف لبنان. ولكن في حال استمرت الأزمة السياسية في البلاد وقرّر الحاكم رفع الدعم عن القطاعات الثلاثة سيُصار إلى إصدار لائحة تتضمن أدوية معينة سيلجأ مصرف لبنان إلى دعمها، وبالتالي سينخفض سقف الدعم إلى نحو الـ 400 مليون دولار إلى حين إيجاد حلّ للأزمة السياسية في البلاد والتي تنعكس سلبًا على القطاعات كافة.
• هل تعتقد أن خطوة دعم لوائح معينة هو الحلّ الأنسب؟
– لا. لكنه يبقى أفضل الحلول بالوقت الراهن. الجميع يعلم أننا نمرُّ بمرحلة دقيقة جدا،ً وبالتالي لا يمكننا اليوم الإتجاه إلى إنشاء مصانع وطنية لإنتاج صناعة محلية أو الإعتماد على أدوية “الجنيريك” خصوصًا، في هذه الفترة، لأن مثل هذا التوجه وعلى الرغم من أهميته، يحتاج إلى خطة كبيرة تتضمن وجود مختبر مركزي في لبنان. هذا فضلاً عن ضرورة وضع سياسة للصناعة الدوائية مع مراقبة أسعارها كي تتناسب مع دخل المواطن وغيرها من الأمور والتي في الأيام الطبيعية، قد تحتاج إلى نحو عامٍ ونصف العام كي نبدأ بالإستفادة منها. لذلك نحن اليوم بحاجة إلى حلول سريعة تساعد المواطن على الإستمرار في تأمين أدويته.
• ما هي هذه الحلول ؟
– الحلّ الأساسي يبدأ بالسياسة، لأن التجاذبات السياسية في لبنان تنعكس سلبًا على القطاعات كافة، بما فيها قطاع الأدوية. لذلك من المهم أن تكون الحكومة الجديدة متجانسة تحظى بثقة الداخل والخارج وتقوم بإصلاحات فورية، وتعمل على وقف إنهيار الليرة. هذه الخطوات من شأنها أن تُساهم في خفض الدولار في سوق السوداء، وبالتالي تريح المواطن نوعًا ما.
• هل هناك تواصل مع حاكم مصرف لبنان لمعرفة الخطوات المستقبلية في حال تقرر رفع الدعم؟
– بالطبع، هناك تواصل دائم مع الحاكم وفي آخر لقاء معه أوضح لي أنه لن يلجأ إلى رفع الدعم الكلي بالتحديد عن قطاع الأدوية. جلّ ما في الأمر أن احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية لم يعد يكفي للإستمرار بدعم القطاعات الثلاث الأساسية بالطريقة نفسها في ظلّ الطلب المتزايد على الدولار. لذلك هو يضغط اليوم، باتجاه تشكيل لائحة تتضمن الأدوية الأساسية التي يحتاجها الناس كي يتم دعمها. ونحن اليوم نعمل على إنجاز هذه اللائحة كي تكون جاهزة خلال عشرين يومًا. وباعتقادي أن المصرف المركزي سيلجأ إلى هذا الخيار في حال استمرّ التأزم السياسي في البلاد.
• من هي الجهة التي تضع هذه اللائحة وعلى أي أساس يتم إختيار الأدوية؟
– هناك لجنتان تعملان في هذا الإطار، الأولى شكلتها وزارة الصحة والثانية صدرت بمرسوم عن مجلس الوزرا،ء وهاتان اللجنتان سيلتقيان مع بعضهما البعض في لائحة واحدة مشتركة.
أما بالنسبة إلى عملية إختيار الأدوية فهذا الأمر يتم على أساس الأولوية، بمعنى أن هناك أدوية لا يوجد بديل عنها، وبالتالي سيشملها الدعم. أما في حال وجد البديل فسيتم دعم البدائل الأرخص ثمناً. وهناك بعض الأدوية الرخيصة الثمن والتي بإستطاعة المواطن الحصول عليها لن يشملها الدعم وقد تشهد إرتفاعًا طفيفًا في أسعارها. ولكني أؤكد أن أسعار الأدوية لن ترتفع بشكل جنوني كما يُصور في الإعلام.
• ماهي برأيك الأوليات التي يجب أن تعمل عليها الحكومة المقبلة كي تُحافظ على هذا القطاع؟
– للأسف في لبنان، لا يوجد سياسات طويلة الأمد في القطاعات كافة وتحديدًا في قطاع الدواء. لذلك على أي حكومة مقبلة أن تُفكر جديًا بوضع سياسات طويلة الأمد لأن البلد لم يعد يحتمل حلولاً مؤقتة وهنا تكمن أهمية حكومة الإختصاصيين.
• تحدثت في بداية حديثك عن تهريب الأدوية إلى الخارج والذي فاقم الأزمة أيضًا، ما هو الحلّ برأيك للحدّ من هذه العمليات؟
– عمليات التهريب موجودة بكل بلدان العالم، وخصوصًا في لبنان وفي قطاعات عديدة معظمها مدعوم. لقد استطاعت القوى الأمنية مؤخرًا توقيف عمليات عدة من هذا النوع. واليوم وزارة الصحة ممثلةً بوزيرها تقوم بتتبع دقيق للأدوية من لحظة إستيرادها، مرورًا بكيفية توزيعها وصولاً إلى بيعها في الصيدليات. هذه الخطوة ساهمت في تخفيف التهريب والتخزين أيضًا وهذا هو المطلوب برأيي.
• شهدنا في الآونة الأخيرة أحداث أمنية عديدة في صيدليات مختلفة نتيجة فقدان بعد الأدوية، من يحمي الصيادلة اليوم؟
– للأسف هذا صحيح. أولاً على المواطن أن يفهم أن الصيدلي بالنهاية مواطن مثله، وكلاهما يدفعان ثمن الصراع السياسي، فأزمة الدواء لا يتحملها الصيدلي الذي يعاني بدوره من أزمة في تسليم بعد الأصناف جراء فقدانها من الأسواق، فضلًا عن أزمة ارتفاع الدولار التي انعكست سلبًا على بعض الأصناف الموجودة في الصيدليات. وهذا الأمر سبب خسائر مباشرة لهم.
اليوم نحن ننتظر من الحكومة الجديدة وضع خطة لحماية الصيادلة أمنيًا وإقتصاديًا. فالإنهيار الذي حصل في لبنان على الصعد كافة كان مفاجئًا وسريعًا.
• ماهي رسالتكم اليوم إلى المواطنين؟
– أقول لهم لا داعي للهلع. لأن تصريح حاكم مصرف لبنان حول رفع الدعم فُهم بطريقة خاطئة، وأنا أؤكد اليوم أن الأدوية ستكون متوفرة في الأسواق قريبً،ا وستكون مدعومة ولكن بطريقة منظمة. وأزمة الدواء التي نمرّ بها اليوم سببها تهافت الناس على التخزين كما ذكرنا سابقًا. لذلك نتمنى على المواطنين شراء حاجاتهم وعدم تخزينه،ا لأن هذا الأمر قد يحرم بعض المحتاجين الحقيقيين من الأدوية.
• وإلى السياسيين؟
– أتمنى على الحكومة أن تضع خطة إنقاذ سريعة لإستعادة الثقة المفقودة، والبدء بتنفيذ الإصلاحات، وأن يقوم كل وزير بوضع خطة جذرية لوزارته تكون طويلة الأمد للنهوض بلبنان، كي لا نسقط بأول امتحان كما حصل اليوم.