تيا البارود
أمام حضرة الواقع تقف نجلاء بدر مُجارية لبديهيّات الحياة وتحضر ما غاب من أحقّيات التعامل والعيش وتستعيد ما نُهب من مفاهيم وتعريفات مجتمعيّة، قناعاتها الفنية الفكريّة جعلتها بطلة لنماذج نسائية عديدة فكيف ان كانت هي بطلة حكاية كاملة؟
تستشعر نجلاء بدر مجموعة قوانين تعامليّة لتحكيم سلوك نظام تعايشي كامل من النص في حكاية “ويبقى الأثر” مرتبطة بحركة المجتمع وأغوار النفس الإنسانيّة بصراعاتها العاطفيّة القويّة وانكساراتها الهشّة واستجاباتها المتباينة لأحداث الحياة المرئية والغير مرئية وظواهرها الحزينة والمفرحة ونفوسها المتشائمة والمتفائلة والمنتفضة بحق والهادئة بصمت المتصلة بتأثير الفرد على النفس، بثّتها جميعها عبر شخصيّة واحدة متفرّعة الحالات.
سلوك الذات المرتبط بالحياة المحيطة المعتادة بعد تشتيت نمطيّتها هو الخط العريض لمعاناة “ياسمين” التي تُحبس في قفص الذكرى الموصد بقفل حُكم تجبُّر المجتمع حتى تبدأ جاهدة مواجهته، يرفض عقلها الباطني استيعاب وفاة زوجها رغم مراوغة نفسها الخارجية على استكمال حياتها والتعوّد على المصاب فيصبّ شريط الإنهاك مضاهيا لبحر اختلفت درجات ألوانه على حسب كثافة الثّقل من تحته، فيبقى طيفه رفيق خطواتها في كل أفعالها وتحرّكاتها، تسمع همس اسمه حتى في حديث الناس معها فداخلها امرأة اكتوت بحرقة الفقدان كما يفعل الحديد على الجلد وما زاد من لهب شعور “ياسمين” هو قدرة نجلاء على أسر الحالة العاطفية للتقاطع المجتمعي الذي تعيشه الشخصية بتفاعلها الواعي بين الفكر والاحساس النفسي والإنساني في تصوير الحدث.
في المتفرّق الأول من حياة “ياسمين” عانت من التسلّط النابع من جهات مجتمعيّة معيّنة تحديدا الأقرباء، محاولة التحكّم في تعاملها مع أبنائها، تحديد تحرّكاتها الخاصّة واختزان طاقاتها الحرّة في العيش لكبت مهامِّها كأم معطاءة ترغب في توفير سبل الحياة وإعادتها كما سابق عهدها لأولادها واحتياجاتهم بشكل مضاعف يخترق مكنون قوتها كي تملأ الفراغ المُحدث وسعيها لكمال جميع زوايا حياتهم بعد وفاة والدهم فتتّكئ على حِمل من جمر لتستنزف طاقتها فتغدو محاولة حلَّ كل التشابكات في حياتها ودّيا ولكن كان لقساوة الواقع كلام آخر.
بين دفئ العتاب وحنّية الإحتواء مساحة أمومة “ياسمين” التي أودعت فيها عاطفتها ويستمرّ الشعور بالتقصير اتّجاه أولادها ملازما لها وليس بوسعها إلغاؤه فتضطر لبذل جهد أكثر ويغدر بها القدر مرة أخرى ليسيطر عليها الشعور باليأس مجدّدا وما يقوّيها للإستمراريّة هو حضور زوجها في ذاكرتها في كل حين فتستمر في إرسال إشارات يائسة نحو ضوء الإرضاء إلى حين الوصول، ولا تقبل على أحد المساس باتّخاذ قرار يخصّ أولادها لكن يختلف الأمر عند تدخّل القانون لتتحوّل إدارة شؤون أولادها من طرف آخر من أمر اختياري إلى حتميّة الخضوع إليه فتبدأ في مماذقة مفترق آخر لتخلق التوتر بين حاضر الحدث القائم ونتائجه الغير معلومة والمبهمة بغياب الكلام وهيمنة الصمت في الرثاء الذاتي للحالة النفسيّة.
ربطت نجلاء بدر صلة عميقة بينها وبين “ياسمين” معتمدة على حفر المفهوم وبناء الحالة واستقراء الحدث فهي تُدرك زخرفة الدور بأنماط سلوكية ذاتية وطرق تعبير مختلفة وسمات مميزة فوجّهت المصطلح إلى نمط فهنا مصطلح الأرملة ليس وصفا لحالة إجتماعية بل إعرابا لنمط حياة بكامل أركانها، وهي في موقف الدّفاع عن هذا النمط وما يتعرّض له من اضطهاد وأزمات في حالات معيّنة وإنارة جوانبه المعتمة.