لم يكن اهتمام الفنان اللبناني طلال الجردي منصًبا على كمًية الأدوار التي يلعبها بقدر اهتمامه بنوعيتها التي لم تكن في الغالب تقنعه، هو الذي يؤمن بأن الدراما يجب ان تكون نابعة من المجتمع ووجع الناس وأفراحهم، بعيدا عن قصص الكليشيه التي فُرضت على الدراما اللبنانية، ولذلك كان تركيزه علي المسرح أكثر من التلفزيون ، الذي كان ينتقي من أعماله ما يتناسب مع قناعاته وتوجهاته التي وجدها في الأعمال العربية المشتركة أكثر…ويبدو أن دور بسًام الذي لعبه في مسلسل”أولاد آدم” وعُرض في شهر رمضان المبارك كان واحدا من الأدوار التي تُرضي تطلعاته في الدراما التي تحاكي الواقع، حيث لعب دور عنصر عسكري فاسد، الأمر الذي اعتبر البعض أن فيه إساءة للمؤسسة العسكرية، فيما اعتبر اخرون بأن هذا النموذج موجود ومن الواجب الاضاءة عليه …
،عن هذه الجدليه بدأنا حديثنا معه فقال :
أنا مع الرأي القائل بأن هذا النموذج موجود، ولا بد من الإضاءة عليه ،والعمل كله مرآة واقعية، تحاكي مشاكلنا وهمومنا في أكثر من خط درامي ودوري كعنصر عسكري فاسد، هو دليل على وجود فساد في المؤسسات الرسمية التي نخرها وكان سبباً لتداعيات اجتماعية لم يعد مقبولاً السكوت عنها.
*البعض يعتبر أن الإضاءة على خلل ما يجعله يتفاقم ؟
هذا غير صحيح ، ففي إضاءتنا على موضوع العنصر العسكري الفاسد في المسلسل ، كان هناك زكزكة لبعض الجهات الرسمة اللبنانية، وربما يعملون على وضع حد لهذه الحالات ،نحن لم نقل الا جزءاً بسيطاً مما يُحكى في المجالس بين الناس، ولم نخترع شيئاً.
*كنت من المشاركين في الثورة، فهل تعتبر مثل هذه الأعمال جزءاً من ثورتك ؟
مئة بالمئة ، هذا واحد من الاسباب الرئيسية التي جعلتني أقبل العمل، لأني شعرت بأنه يقدًم رسالة وليس ذو مضمون فارغ يتمحور حول الحب فقط أو مواضيع لا تعكس حقيقة مجتمعاتنا.
*هل يمكن ان تأتي هذه الأعمال بنتيجة ؟
بالتأكيد، هناك مسلسلات في أوروبا وأميركا تُحدث زلازلاً من خلال موضوعاتها ، ونحن عندما أعلنًا الثورة في 17 تشرين الثاني كان هدفنا أن نرجع دولة تحترم نفسها.
* الثورة تزامنت مع تصوير المسلسل ؟
لا، لم نكن بدأنا التصويربعد.
*وكيف استطعت التنسيق بين التصوير والمشاركةفي المظاهرات اليومية ؟
لا أنكر بأني فكرت كثيراً بالموضوع لأن رأسي لم يكن مع الدراما وقتها ، كان هم البلد أكبر من أي شيء ، ولكن بعد فترة تم تجميد الثورة على الأرض وكان عرض العمل مع الليث حجو بين يدي فلم أستطع رفضه، خصوصاً وأني استمتع بالعمل معه، حتى لو كنت مغمض العينين فاستطعنا انجاز العمل رغم الظروف القاهرة مع عودة الثورة ومجيء وباء كورونا ، بالإضافة الى أن العمل في المسلسل شكّل لي نافذة استطعت أن أتنشق من خلالها أوكسيجينا نظيفا حسًن نفسيتي.
*على أي صعيد ، العودة الى التلفزيون ؟
بل على الصعيد النفسي العام، بعد أن وصلت لمرحلة احباط شديدة، وما أسعدني أكثر ردود الفعل الايجابية التي صدرت من الجمهور، فشعرت بأننا كنّا عاملاً مساعداً للناس للخروج من أزماتهم المتلاحقة ولو لفترة بسيطة.
*بعض الفنانين يصرًون على المشاركة في المواسم الرمضانية ، ماذا عنك ؟
شخصياً لا تعجبني الدراما العربية ككل ،لأنها بنظري تعاني من الانفصام ،هي في واد والواقع في واد آخر.
*الفترة الاخيرة شهدت محاولات لوضعها على السكة الصحيحة ؟
آمل ذلك ، منذ عام قلت أنه يبدو أن هتاك تعليمات وتوصيات بإبعاد الدراما عن المواضيع الساخنة ، وأن يتم حصرها بمواضيع الحب، الميراث، وجدها ووجدته.. بدون الاقتراب من مواضيع معينة وانا اشعر بأننا كسرنا هذه التابوهات في مسلسل ” أولاد آدم “.
اضاف: لا أدري لماذا هذا الاصرار على تجنب طرح هذه المواضيع في لبنان ، بلد الحريات والانفتاح في وقت يتم طرح مواضيع أكثر جرأة في سوريا ومصر ، ليبقى سقف الحرية محصوراً في برامج التوك شو والاسكتشات الساخرة ، علماً بأن هذه الموضوعات يجب أن تكون جزءاً من الدراما الواقعية بعيداً عن السطحية والكاريكاتور.
*أولاد آدم كان فشًة خلق بالنسبة لك بعدما اخفقت في الانتاج الذي أردت أن تقول من خلاله شيئاً ما؟
لم أيأس لأني فشلت في الانتاج، لأنها عملية مختلفة تحتاج لمعايير لا أملكها ولن أدخل في تفاصيلها … الدراما لم تشكل بالنسبة لي يوماً عامل احباط .
*متفائل بغد أفضل ؟
من الضروري أن أكون متفائلاً بغد مشرق لأنه ليس لدينا حل آخر، صحيح أن حكًامنا يضعون على كراسيهم نوعاً فاخراً من الغراء ولكن لا بد وأن نجد وسيلة نزيله فيها.
*يبدو أطامح للعمل السياسي ؟
ابداً ، أنا أحاول ايصال صوت الناس رداً لجميل محبًتهم وثقتهم بي، فلولاهم لما كنت فناناً ، وكل ما نطلبه اعطاء فرصة لمدة لم يأخذ فرصته ليعمل من أجل البلد بعدما ثبت فشل كل من حكمه حتى الان.
*بصراحتك المعهودة كان لك ردً حول سؤال حول مهنية الممثل السوري واللبناني ، فقلت بأن الممثل السوري ليس الأفضل ، ولكنه يبيع أكثر، ألا تخاف هذه التصاريح التي قد تحسب عنصرية من قبلك ؟
لكل انسان ما نوى ، فمن يريد أن يأخذ الأمور بمنحى سيء كما حصل حين هاجموني بطريقة أقل ما يقال فيها أنها قليلة الادب ، يستطيع فعل ذلك بسبب أو بدون سبب ..
السؤال كان مستفزاً وفخاً بحد ذاته وكان ردي عليه طبيعيا
*تقع عادة في فخ الاسئلة ؟
لأني صريح يعتمدون معي هذه الاسئلة التي قد يتهرب غيري من الجواب عليها….
أضاف : ما الذي اقترفته إذا قلت بأن الممثل السوري أشطر من اللبناني أو العكس ؟ خصوصاً وأن هناك الجيد، والردىء في البلدين ،بالإضافة الى أني لم اُخرج بشيء جديد أوغير واقعي ، لأن الفنان السوري يبيع أكثر من اللبناني وهذا نوع من البيزنيس الذي ترتكز عليه الدراما لأنها ليست عملاً خيرياً بالنهاية .
هناك أسماء تطلبها المحطات بدون النظر الى مضمون العمل ، وهذا ما أوصل الدراما العربية الى الكارثة التي وصلت اليها ، المحطات تدفع مبالغ طائلة من اجل إسم، في وقت يجب أن يكون التركيز على القصة لأن الدراما بدونها لا طعم لها، ونحن طالما قلنا ،اذا أردتم أسماء معينة، فلـستضيفوهم في برامج المنوعات والتوك شو ، ولكن للأسف لا حياة لمن تنادي، لأن بعض النجوم أصبحوا بالنسبة لبعض المحطات أنصاف آلهة ،وهذا غير منطقي .
اليوم بعض المحطات والمنتجين بدأوا يشعرون بالندم لأنهم لم يعودوا قادرين على تلبية من صنعوهم بأنفسهم..
وختم قائلا: أولاد آدم ارتكز على قصة بخيوط مختلفة ولم يرتكز على على أسماء نجوم معنيين.
*هذا لا يعني أنه كان خاليا من الثغرات…
بالتأكيد ، فعندما يتم سلق القصة في وقت قصير لا يتعدى الاربعة اشهر، لا وأن يتضمن بعض الثغرات.
الدراما تحتاج لوقت للخوض بتفاصيلها ولجمع خيوطها، لا يقل عن ستة أشهر الى عام ، فالنص يشبه المرأة الحامل التي تحتاج لفترة لا تقل عن تسعة اشهر للوضول الى مرحلة الولادة.
*الموسم الرمضاني يفرض احياناً ولادة مبكرة ؟
هذه الولادة قد تكون سببا لتشوهات الجنين ومشاكل صحية ونفسية.
*في زمن كورنا والجلوس في المنزل والموسم الرمضاني ماذا تتابع ؟
بصراحة لا أتابع المسلسلات العربية، وإن كنت سمعت عن بعض الأعمال التي أثارت اهتمامي، سأحاول متابعتهم لاحقاً.
*مثل ؟
الاختيار، خيانة عهد.
*العمل الاخير ليسرا ؟
بصراحة لم أسع وراء أسماء النجوم،مع احترامي للجميع، ولكن جذبني ما سمعت عن المواضيع ، رغم أن الممثل يشكًل قيمة مضافة للعمل، ولكنه لا يكون بالضرورة عامل جذب، بل الموضوع … ربما يكون اسم النجم عامل ثقة بأنه لا يختار الاً العمل القيّم الذي يضيف له.
*عادل إمام لم يكن موفقاً هذا العام ؟
كان للعمل ظروف صعبة، وتمً تصويره بشكل متقطًع على مدى عامين …
أضاف: بصراحة ، لديّ نقطة ضعف تجاه الزعيم.
*نحن نتكلم عن واقع ؟
صحيح وانا سمعت ردود فعل سلبية من كثيرين جعلتني أتمنى أن يكون هذا العمل الأخير لعادل إمام الذي شكل ظاهرة ولم يكن ممثلاً عادياً.
ماذا بعد أولاد آدم ؟
لبنان فقط .
والمسرح ؟
يعاني أزمة كبيرة عالمية وغير محددة الأفق نتيجة وباء كورونا ، والسينما ايضا تعاني نفس ألإزمه،وقبل إيجاد حلول للوباء لن يتم الحديث عن أي عمل مسرحي أو سينمائي.
