كشف وزير الطاقة ريمون غجر عن خطة قصيرة الأمد يتم التحضير لها للنهوض بقطاع الكهرباء مجدداً، لافتاً إلى أن الإصلاح الحقيقي يتطلب إصلاحاً مالياً بالدرجة الأولى على مستوى الدولة ككل وليس على مستوى القطاع وحده.
وقال في حوار مع مجلة “الأمن” حلّ معضلة الكهرباء يكمن في التعاون مع صندوق النقد الدولي ببرنامج نستطيع من خلاله استعادة الثقة بالإقتصاد اللبناني، وإستعادة ثقة المستثمر بلبنان، وهذه الثقة لن تكون موجودة من دون إصلاحات جذرية نقدية ومالية واقتصادية.
واوضح أن قطاع الكهرباء “ليس بأفضل حالاته اليوم، خصوصاً وأننا لا نملك طاقة كافية، هذا فضلاً عن تكلفتها المرتفعة، إضافةً إلى أن المواطن اللبناني يدفع نحو 60 في المئة إلى 70 في المئة من ثمن تكلفتها، وهذا الأمر بطبيعة الحال أدى إلى إنهيار القطاع”.
وفي الآتي نص الحوار :
• كيف تقرأ اليوم واقع قطاع الكهرباء؟
– الأكيد أن هذا القطاع ليس بأفضل حالاته اليوم، خصوصاً وأننا لا نملك طاقة كافية، هذا فضلاً عن تكلفتها المرتفعة، إضافةً إلى أن المواطن اللبناني يدفع نحو 60 في المئة إلى 70 في المئة من ثمن تكلفتها، وهذا الأمر بطبيعة الحال أدى إلى إنهيار هذا القطاع.
• لماذا وصلنا الى هذه المرحلة برأيك؟
– هناك عوامل عديدة ساهمت بطريقة مباشرة وغير مباشرة في إنهيار هذا القطاع، أولاً التعرفة المتدنية في ظلّ إرتفاع التكاليف، إضافةً إلى الخسائر الفنية وغير الفنية بقرار من الدولة اللبنانية لإبقاء التعرفة الحالية على ما هي عليه، فضلاً عن تراكمات لعشرات مليارات الدولارات على مرّ السنين. هذا اضافة الى السياسات الخاطئة على مرّ السنوات بالنسبة للحكومات المتعاقبة وقلة الإستثمارات في هذا القطاع بسبب خسائره المتتالية.
• هل هناك من عوامل أخرى ساهمت في عجز الكهرباء؟
– بالطبع هناك عوامل عديدة ساهمت في إرتفاع عجز هذا القطاع، أهمها إبقاء التعرفة على حالها في الوقت الذي إزداد فيه إنتاج الكهرباء سواء عبر إنشاء المعامل في الجية والزوق وعبر استقدامنا للبواخر على مرّ السنوات. إذاً نستطيع القول إن السبب تشغيلي بالدرجة الأولى فضلاً عن قلة الإستثمارات في هذا القطاع، ومؤخراً أضيف الى هذه العوامل موضوع إنهيار الليرة أمام الدولار الأميركي، وصعوبة إستيراد المشتقات النفطية للبنان من شركة “سوناطراك” الجزائرية بسبب أزمة الفيول، كل هذه الأمور أظهرت هشاشة هذا القطاع.
• كل المؤسسات الدولية تطالب لبنان بضرورة إصلاح هذا القطاع، فلماذا المماطلة؟
– هذا صحيح، الجميع يطالبنا اليوم بضرورة إصلاح هذا القطاع بدءًا بالحوكمة مروراً بمجلس الإدارة، وصولاً إلى الهيئة الناظمة. فالمجتع الدولي يعتبر أن إدارة هذا القطاع من قبل الوزارة أو الحكومة هو غير سليم، لذلك هو يريد أن تكون هناك هيئة خاصة لتنظيم هذا القطاع من أجل إستعادة الثقة به، خصوصاً وأن المجتمع الدولي يدرك أن الدولة اللبنانية هي التي كانت، ولا تزال، مصرة على تثبيت التعرفة بنصف سعر التكلفة، وهذا الأمر لن يستمر في حال تسلمت هيئة خاصة هذا القطاع. والأهم من ذلك كله أن يكون هناك رؤية واضحة المعالم لفترة زمنية محددة تتضمن مراحل النهوض لهذا القطاع، وهذه الخطوة من شأنها إعادة ثقة المجتمع الدولي من جهة والمستثمرين من جهة ثانية بقطاع الكهرباء.
• ماهي الخطوات التي اتخذتها الوزارة من أجل النهوض بهذا القطاع اليوم؟
– القدرة التنفيذية لإصلاح هذا القطاع تتطلب إصلاحاً مالياً بالدرجة الأولى على مستوى الدولة ككل وليس على مستوى القطاع وحده، ونحن اليوم بصدد التحضير لخطة قصيرة الأمد للنهوض بهذا القطاع وعرضها على مجلس الوزراء للموافقة عليها، خصوصاً وأننا قمنا بتعيين مجلس إدارة جديد، ونحن نعمل اليوم على تعديل القانون 462، هذا فضلاً عن التحضير لتعيين هيئة ناظمة.
• في ظلّ التحضير لخطتكم، لبنان يعيش اليوم في ظلمة حالكة جراء النقص في مادة الفيول ما سبب هذه الأزمة المستجدة؟
– أزمة الفيول بدأت مع باخرة الـ “BALTIC” التي كانت محملة بفيول غير مطابق للمواصفات، وبعدها مع باخرة الـ ” ASOPOS”، واليوم القضاء تولى هذا الملف وهو يقوم بالتحقيق بين الدولة اللبنانية وشركة “سوناطراك” الجزائرية، في هذا التوقيت اعتبرت “سوناطراك” أن لبنان لا يطبق بنود العقد الموقع معها، ورفضوا تسليمنا مادة الفيول، خصوصاً وأننا استهلكنا الكمية التي كانت متبقية لدينا، ونحن سبق وحذرنا من انه في حال لم نحصل على الفيول من ” سوناطراك” لن نستطيع تأمنيه من أي شركة أخرى بسرعة، ومعاملنا ستتوقف، وهذا ما حصل بالفعل لأن مخزون الفيول الموجود لدينا لا يعطينا أكثر من 300 ميغاوات الى 400 ميغاوات، وهذا الأمر أدى إلى إنقطاع الكهرباء لحوالي 21 ساعة في اليوم الواحد، ولكن الإتصالات بقيت قائمة مع الشركة الجزائرية، إلى أن توصلنا الى حلّ كوزارة طاقة بإعادة الإستيراد مجدداً، وبأن المسار القضائي في قضية الباخرتين هو الحلّ الأمثل للدولة اللبنانية من جهة ولـ “سوناطراك” من جهة أخرى، وفعلاً أرسلت الشركة الجزائرية ثلاث بواخر ما رفع القدرة الإنتاجية إلى نحو 1450 ميغاوات، وهذا الأمر أدى إلى تحسن بالتغذية على الأراضي اللبنانية كافة.
• صحيح أن المواطن لمس تحسناً تدريجياً في الكهرباء، ولكن لا تزال التغذية دون المستوى المطلوب، لماذا؟
– إن القدرة الإجمالية لإنتاج الطاقة في لبنان هي حوالي 1650 ميغاوات، هناك أعطال وصيانات دورية لمعامل بحوالي 200 ميغاوات يمكن استرجاعها بفترات متفاوتة من السنة، ولكن الأكيد أن التغذية عادت اليوم إلى طبيعتها في هذه الأيام من السنة، لأن الطلب في فصل الصيف يكون متزايداً عن الأيام العادية بسبب الحاجة المتزايدة للكهرباء. لكن البعض يقول ان التغذية لبيروت إختلفت، نعم هذا صحيح لأننا لم نعطيها 21 ساعة كما كنا نعطيها في السابق، وذلك من أجل إعطاء بقية المناطق، فالتغذية في بيروت اليوم هي بحدود الـ 16 ساعة يومياً.
• هل هناك إمكانية لتحسن إضافي بالتغذية في الأيام المقبلة؟
– هناك إمكانية لبعض التحسن في الأيام المقبلة والتي ستكون بمقدار ساعة الى ساعتين يومياً بعد ان تعود المعامل إلى طبيعتها، فالأزمة لم تعد أزمة فيول لأنه بات متوافراً، الموضوع بات تقنياً أكثر، ونحن سنعمل على معالجة الأعطال كافة.
• اليوم بعد الأزمة مع “سوناطراك” لماذا لا يتم البحث عن شركات أخرى؟
– الموضوع ليس بهذه السهولة، نحن نشتري بواخر فويل بتكلفة 20 مليون دولار لكل باخرة، اليوم ليس لدينا القدرة لإستبدال شركة بأخرى، فالأمور تحتاج الى دراسات ووقت. البعض قد يسأل لماذا لا نشتري الفيول من دولة الكويت؟ الكويت لديها غاز أويل، وهم يستطيعون تمويلنا بنحو 25 في المئة فقط من قيمة الفيول التي نحن بحاجة اليها.
• سمعنا أن الزيارات الأخيرة للواء عباس ابراهيم الى الدول العربية كانت تهدف الى البحث في استيراد الفيول من هذه الدول هل هذا صحيح؟
– نحن كنا نتحدث مع الدول التي زارها اللواء ابراهيم من أجل البحث في امكانية استيراد الفيول من خلال عقود من دولة الى دولة، وزيارته كانت من أجل تسهيل هذه العقود في حال وجود امكانية لاستيراد هذه المادة بأسعار معقولة وبتسهيلات بالدفع، ولكن كل هذه الأمور لا تزال ضمن إطار المباحثات.
• اليوم تتحدثون عن ضروة التحول الى الإقتصاد المنتج ولكن هذا الاقتصاد الا يحتاج الى كهرباء بالدرجة الأولى؟
– قلتها سابقاً وأكررها اليوم، حلّ موضوع الكهرباء ليس آنياً، إنما يحتاج إلى مراحل من العمل، وتأمين التمويل، والتحضير لدفتر شروط، وإجراءات مناقصات، وإنشاء معامل، كل هذه الأمور تحتاج الى وقت وجهد ومثابرة، وهذا ما بدأناه منذ سنوات ولكن بطبيعة الحال واجهتنا صعوبات، واليوم هذه الصعوبات أصبحت مضاعفة نظراً لغياب التمويل لبلد مثل لبنان، لذلك على الصناعيين والمزارعين العمل ضمن الإمكانيات الموجودة، وعليهم تأمين طاقات بديلة لمشاريعهم، حتى مشاريع الطاقات المتجددة لن تنجز في غضون سنة او سنتين بسبب صعوبة التمويل، أضف الى ذلك أزمة الليرة الموجودة اليوم والتي تمنع اي شخص من الإستثمار في لبنان.
• ما الحلّ برأيكم لهذه المعضلة؟
– الحلّ اليوم يكمن في التعاون مع صندوق النقد الدولي ببرنامج نستطيع من خلاله إستعادة الثقة بالإقتصاد اللبناني، وإستعادة ثقة المستثمر بلبنان، فالجميع يعلم أن لبنان يملك ثروات وإمكانات عديدة، يمكن استغلالها سواء بالصناعة والزراعة والتجارة أيضاً، ولكن هذا الأمر يتطلب ثقة، وهذه الثقة لن تكون موجودة دون إصلاحات جذرية بالنقد والمال والإقتصاد.