وكأن قدر اللبناني أن يعيش ظلام ما بعده ظلام. ظلامٌ في السياسة وظلامٌ في الكهرباء. فبعد تعثر ولادة الحكومة، وتعثر الحلول السياسية ودخول البلاد في نفق مُظلم على الصعد كافة، ها هو لبنان يتحضر لفصل جديد من الظلام جراء ارتفاع ساعات التقنين، بعد توقف البواخر التركية عن إمداد الطاقة إلى معملي الذوق والجيّة.
شركة “كارباورشيب” التركية التي تزود لبنان بالكهرباء عبر محطتين عائمتين، سبق لها أن أبلغت حكومة تصريف الأعمال، أنها ستضطر لاتخاذ هذه الخطوة إن بقيت الأمور على حالها في ما يتعلق بتأخير المُستحقات المتوجبة، أو غياب لأي خطة أو اتفاق على طريقة الدفع.
لم تلق الشركة أي تجاوب من قبل المسؤولين اللبنانيين، ما دفعها إلى التوقف عن إمداد الطاقة إلى معملي الذوق والجيّة، الأمر الذي أدى إلى انخفاض القدرات الإنتاجية الإجمالية المتوفرة على الشبكة الكهربائية اللبنانية، بنحو 240 ميغاواط.
مؤسسة كهرباء لبنان أصدرت بياناً لفتت فيه إلى أنها عملت على “تشغيل بعض المجموعات الإنتاجية في معملي الذوق والجية، ورفع قدرة معمل الذوق القديم، ووضع مجموعة إنتاجية في معمل صور الحراري، ما سيوفر 130 ميغاواط إضافية على الشبكة. وذلك تعويضاً عن جزء من النقص الحاصل جراء توقيف البواخر التركية لكافة مجموعاتها الإنتاجية”.
الحجار: الحل يبدأ بتشكيل حكومة جديدة بالمعايير الدولية
في هذا السياق، يؤكد النائب محمد الحجار في حديثه لـ “الإقتصاد” أن “وزارة الطاقة أخطأت منذ البداية في تعاطيها بموضوع البواخر، الذي لم يتزامن مع إنشاء معامل جديدة للطاقة تعمل على الغاز، خصوصًا وأن الصناديق العربية والدولية وآخرها الصندوق الكويتي، كانوا على استعداد لتقديم القروض اللازمة لإنشاء هذه المعامل. لكن وزير الطاقة آنذاك جبران باسيل رفض هذه القروض، لأنه لم يكن يريد أن تكون هناك رقابة من قبل الصناديق العربية أو الدولية على دفاتر الشروط والمناقصات وإلى ما هنالك. ولو أننا سلكنا في هذا الاتجاه منذ البداية، لما كنا وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم”.
يضيف: ” يُشكل قطاع الكهرباء اليوم حوالي 55 بالمئة من حجم الدين العام، وهذا الأمر يتحمل مسؤوليته التيار الوطني الحرّ الذي احتل وزارة الطاقة منذ العام 2008، ورفض تسليمها إلى أي فريق سياسي آخر، وإصرارهم على عدم تنفيذ قانون تنظيم قطاع الكهرباء وتحديدا القانون رقم 492/2002 ولا القانون رقم 181/2011، وعدم تعيين الهيئة الناظمة، بل أصروا على سحب مليار و200 مليون دولار من الخزينة العامة لإنشاء معامل جديدة، وها قد رأينا ما نحن عليه اليوم”.
يتابع الحجار: “المعامل الموجودة في لبنان تُنتج حوالي 1200 ميغاواط منهم 360 ميغاواط كان مصدرها البواخر التركية. أما اليوم وبعد القرار الأخير الذي اتخذته شركة “كارباورشيب” بوقف تزويد لبنان بالطاقة بسبب عدم سداد الدولة اللبنانية مستحقاتها، وبسبب القرار الذي اتخذه القضاء اللبناني بحجز البواخر بعد التُهم الموجهة للشركة التركية في ما يتعلق بموضوع الرشاوى، انخفض إنتاج الطاقة إلى حدود الـ 900 ميغاواط، مع العلم أن حاجة لبنان في هذه الفترة من السنة هي بحوالي 3100 ميغاواط، ومع اشتداد الحرارة ستزيد حاجتنا إلى الطاقة لتصل إلى حوالي 3400 ميغاواط. وفي حال استمر الوضع على ما هو عليه اليوم سنكون أمام تقنين قاسٍ”.
يضيف: ” بعد توقف الشركة التركية عن تزويد لبنان بالطاقة، أعلنت مؤسسة كهرباء لبنان أنها ستزيد إنتاج الطاقة بحدود الـ 130 ميغاواط عبر رفع الإنتاج من بعض المجموعات الإنتاجية في معمل الجية القديم. هذا الرفع بالإنتاج يعني المزيد من الهدر لمادة الفيول في هذا المعمل بالذات مقارنةً بالمعامل الأخرى، وبالتالي أصبحنا بحاجة إلى المزيد من مادة الفيول”.
المولدات الخاصة لن تستطيع برأي الحجار ” تغطية التقنين المُقبل، وقد يلجأ أصحاب المولدات إلى زيادة التعرفة في ظلّ عدم توفر الدولار لاستيراد مادة المازوت، ما سيدفعهم إلى السوق الموازي من أجل تأمين العملة الصعبة، وهذا الأمر سينعكس سلبًا على المواطن الذي لا يزال يتقاضى راتبه بالليرة اللبنانية التي فقدت أكثر من 90 بالمئة من قيمتها”.
يضيف : “الحل يبدأ بتشكيل حكومة جديدة بالمعايير الدولية، أي حكومة اختصاصيين لا حزبيين وألا يكون هناك ثلث معطل لأي فريق كان، قادرة على القيام بالإصلاحات المطلوبة، وأن تكسب ثقة الداخل والخارج، وإلا سنكون أمام كارثة كبيرة خصوصًا لناحية استيراد مادة الفيول التي تحتاجها المعامل، وهذا الأمر يحتاج إلى عملة صعبة، والجميع يعلم أن الدولار لم يعد متوفرًا، مع العلم أن البعض يستسهل استخدام ما تبقى من ودائع اللبنانيين المقدرة بحوالي الـ 15 مليار دولار، وهذا أمر خطير”.
يختم الحجار حديثه بالقول: إن لم نُطبق المعايير الدولية في ما يتعلق بتشكيل الحكومة، لن يساعدنا أحد. لقد اجتمعنا منذ فترة مع ممثلين عن شركة “سيمنز” الألمانية في المجلس النيابي، وقد أبدوا استعدادهم لمساعدة لبنان في ملف الكهرباء، وفي إنشاء المعامل، شرط أن تكون هناك حكومة فاعلة قادرة على القيام بالإصلاحات المطلوبة”.
مصادرة متابعة لملف الكهرباء أكدت لـ”الإقتصاد” أن لبنان مقبلٌ على العتمة في حال استمرت الأمور على ما هي عليه اليوم، خصوصًا وأن المولدات لن تستطيع التعويض عن النقص الحاصل في الشبكة الكهربائية، وقد بدأ أصحاب المولدات الخاصة بتقنين التغذية للمشتركين، وهذا الأمر سيكون له انعكاسات سلبية على حياة المواطنين، خصوصًا وأننا على أبواب فصل الصيف. لذلك يجب على المعنيين تدارك هذا الأمر قبل فوات الأوان، وَإِلَّا سنكون أمام كارثة قد لا تُحمد عُقباها.