غادة حيدر
عبقرية لا بعدها عبقرية، أظهرتها أحزاب النظام الطائفي في لبنان، من هم داخل السلطة اليوم ومن هم خارجها.
ربطٌ مذهل حققته هذه الأحزاب المتهالكة بين إستقرارنا الأمني وبقائها في السلطة.
أما الإستقرار المعيشي والإقتصادي والحلم ببناء دولة القانون والمؤسسات والمواطنة فهو حلم متخيل، وفي أفضل الحالات هو خيال من كوكب آخر.
أي طموحات لنا، نحن الباقون على قيد الحياة من “قلة الموت”؟ أو أي طموحات لأجيال أتت بعدنا، لا تعرف من لبنان غير كونه وطن الفشل الجماعي والفساد الجماعي على غير صعيد.
بحجة الحفاظ على الامن وعلى “مصالح الناس”، ليس كل الناس انما 2% بالمئة فقط، كان لا بد من ايهام الشعب اللبناني العظيم ان هذه الطبقة هي الأنسب لكل المراحل، لا بل هي الولي الممنوح شرعة وشرعية من رب العالمين.
هي كذلك لأنها أحزاب استندت على الدين ومن بعده على الطائفة لنشوئها.
في كل مرحلة كانت السلطة وأحزابها تكرس في ذهن العامة ثقافة الانقسام والاختلاف السلبي، تزرع فينا البغض كما تزرع في الأدمغة رقائق التحكم بالسلوكيات، فغرست فينا عدم الاستقرار والشعور بالخوف والشك من الآخر.
الصراع الطائفي كان السلاح الاقوى لاخماد اي فكر بالتغيير او التطور.
كيف لشخص أن لا يصف هذا التدحرج بالطموحات بغير الإبداع؟
كنا نطمح بتنفيذ خطط نقل مشترك متطور، وانشاء معامل كهرباء تنير لبنان اسوة بجيرانه في المنطقة، نبني إقتصادا يقوم على الانتاج ونحقق الاكتفاء الذاتي في القطاعات الغذائية الاساسية. ننظيم وتفعيل القطاع السياحي الذي هو ثروة حيوية على مدار الفصول الاربعة كجزء من تطوير قطاع الخدمات بشكل عام، ونعيد لبنان إلى كونه جامعة الشرق ومستشفاه ومكتبته ومنارته ونجعل من التعليم أمراً إلزاميا متاحا للجميع… وننفذ قانون ضمان الشيخونة وتطوير نظام الاستشفاء
كنا نطمح لوطن لا يحكمه زعماء طوائف، بل المؤسسات الدستورية، يقوم على القانون لا على المحاصصة. كل هذه الطموحات راحت هباء.
صار الطموح: وجهة لهجرة غير مضمونة، وتنكة بنزين ولو كانت مصنوعة من ماء وصبغ النعناع وغالون زيت مكرر بعد استخدامه في وسائل النقل، ربما.
قتلوا فينا الحلم والطموح، قتلوا فينا الوطنية والانتماء.
انحدرت بنا الاحلام الى عالم الظلام والطائفية والخوف من الفكرالآخر.
ان هذه الارض لا تفرق بين ساكينيها تعطيهم بنفس المقدار، وهذه السماء التي ترفرف فيها آلالاف الرايات والأعلام ما زالت تعطينا جميعا بنفس المقدار…
لكننا وبفعل تصميم سلطة التقاسم والمحاصصة أصبحنا كعبيد فرعون، نعمل بالسخرة وهلليلويا لمن يغنم بربطة خبز.
لقد أصبح الفساد نظاما قائما واصبح المال الحاكم الاول دون منازع والطاعة هي لاسياد هذا النظام الحريص على كل الشركاء في هذه ” القسمة”.
مشكلة الاتجاه شرقا او غربا كانت ولا تزال فكرة اقتصادية للنهوض بالبلد وقبول الهبات والمساعدات الخارجية ” شرقية او غربية” ليبقى لبنان صامد على عكازيه.
ان تدمير بعضنا البعض ليس الا مرحلة وقت، عملوا بكل جهد كي يتم تقسيم كل شارع وزاوية ومنطقة ومحافظة.
لا خوف من انقسام الرأي بين مكونات البلد الطائفة، فالطائفة ليست وحدة سياسية بل دينية. الخوف من استمرار الفرز بين اللبنانيين على اساس طائفي لا اجتماعي أو طبقي كما هو الحال في مجتمعات العالم بأسره.
للأسف لم يعد لبنان رسالة محبة وحرية وثقافة الى العالم .
كنا في جمعية غايا قد قدمنا دراسة مفصلة عن خطر خزانات الغاز في محلة الدورة وتم تسليم كل الرؤساء والمسؤولين والوزراء والنواب ملفا كاملا عن القضية وتم التنبيه لهذا الخطر عبر وسائل الاعلام وخلال نشرات الاخبار، لم نلق اي تجاوب من اي احد باستثناء الرئيس حسان دياب الذي حوصر من قبل من كان به حمايته!
لم يكن اي رد فعل شعبي ضد هذا الخطر مع العلم اننا كنا على مسافة قريبة من كارثة انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 .
اتصلت فتاة بنا لتخبرنا بما قاله ميشال حايك عن خزانات الغاز في محلة الدورة المأهولة بالسكان، استغربت كيف لنا ان نسمع كلام “المشعوذين” ولا نأخذ بكلام الباحثين واهل الاختصاص … لكثرة مواد التخدير، اصبحنا بحاجة فقط لمفسري احلام …
يقول الدكتور الراحل علي برو في احدى رسائله لمرجع إعلامي في تسعينيات القرن الماضي”ان الايمان واحترام الآخر لا يأتيان عبثا بل هما نتيجة تراث وثقافة وتجربة، ومن كان صادقا في ارادته أن يكون له وطن عليه أن يؤمن بهذه الثوابت ويعززها وينمّيها”.
ويقول السيد محمد حسين فضل الله :” ان اللبنانيين في واقعهم السياسي الحالي هم اصغر واضعف من يقسموا بلدهم او يوحدوه، لانهم باعوا عقولهم للآخرين، ولهذا فان مسألتهم في ما يريدون، هي ما يريده الآخرون لبلدهم”.
متى نصبح كبارا وأقوياء لنعزز ثقافة الوطن والمواطنة في بلدنا؟ وهل يكون ذلك دون الإنتفاض على كل ما هو قائم الآن؟
*رئيسة جمعية غايا البيئية – لبنان