تيا البارود
سيطرة المادّة الإبداعية محور اتّخذته الفنانة درة لأدوارها النابعة من صميم البيئة العربية، باهتمامها بالمعايير الواقعيّة و حقنها على الشاشة لتنقلها بصورة معنويّة مجسّدة بحريّة.
أن يليق الدور على الممثل فهو الطبيعي أمّا أن ينفرد الممثل بالدور و يتملّكه فهنا تبدأ رواية الإحتراف، على هذا المنوال تبنّت درة شخصية “غالية” بقضيتها و مُجمل ما يحيطها مترنّمة بمواجة ذاتها و المجتمع و ماضيها و اختياراتها و قراراتها.
“غالية” العازفة الشغوفة الحالمة التي تبدو حياتها كغرفة مضلمة نافذتها المشرقة الوحيدة تطل على هوايتها و حبها للموسيقى و العزف، فاقدة السند و المهتم و الداعم لهوايتها و هذا ما سبّب ثغرة الشعور بالفقدان لعنصر مهم داخلها، يحيطها الإهمال من زوايا المجتمع المختلفة لمهنتها و فنّها المحلّقة بالتعلق به.
كعزف “غالية” تماما روَت درة حياتها بنغمات مختلفة لكل نغمة شعور و لكل مقام موسيقى نظرة تفسيرية لحالتها تُخاطب بها جهتين، الذات و المجتمع.
حوار الذات تمثّل في الهمس الداخلي بين تلقاء نفسها و محاكمة للعقل و المنطق و هو ما نتج عنه ردّات الفعل و اتخاذ القرارات التي تشكّلت برفضها لعادات تقييديّة و سجن ذهنها لها داخل قفص الماضي الذي لم تستطع الخروج منه بسبب أثره الدائم و المستمر معها ما نتج عنه تعاستها التي أنجبها الإحباط، اعتدمت درة على المظهر السطحي الهادئ و البارد الذي يخفي تحته حوارا ضخما بحجم ما تشعر به و النار المتأجّجة باطنها تروي حرقة الزوال بأدهى حنكة.
ظاهريا أحرزت درة تحوّلات أسلوب “غالية” بدقّة بمواجهة العقل و الروح فبين الشفقة و الطرافة اللتين أثارهما الخداع الذاتي فبدت مثقّلة بالقهر تبكي ثم تضحك حتى اختلط الحزن بالفرح بملامحها و يمتزجان في النهاية باليأس و الضجر، للإيقاع اللفظي حصة الأسد لشرح حالتها فتتحدث بلهجة حادّة قائمة على الحدث بصورة مبسّطة، ثم تدير عضلات وجه درة دفّة الكلام و تزيل غطاء تغيرات مزاج “غالية”.
وضعت زوبعة حياة “غالية” مجهرا على أثر و تأثير الموسيقى بالروح، كيف تتمكّن الموسيقى من ريّ الروح و عن امكانيّة اضفاء الروح على العزف و كله يقف عند سد فراغات الروح تغذيتها بالبهجة.