كتابة تيا رائد بارود
– كارثة وطنيّة حدثت يوم ٤ آب هزّت كل العالم، هل من رسالة توجّهيها لكل مواطن لبناني عاش هذه المأساة بلحظاتها و لا زالت بالذاكرة؟
■ أقدّم التّعازي لكل انسان فقد عزيز و شخص قريب بحادثة الإنفجار و أريد مواساة كل فرد خسر عمله و بيته و أملاكه و أي شخص تأذّى و خسر جزء من جسده أو أي خسارة سواءً ماديّة أو معنويّة أو جسديّة، و للجميع الله كبير و الحق سيعود، لا يمكن لما حدث أن يمرّ مرور الكرام و لن ننسى و لن نقبل إلّا بحساب المسؤول عن الحادثة.
– بعد مرور شهر على انفحار المرفأ الذي لا يمكن نسيانه من قِبل كل النّاس و تحديداً الفرد اللبناني، ماذا غيّرت هذه التّجربة الصّعبة بداخلك و ماذا أضافت لك؟
■ بصراحة، لست نفس الإنسانة التي كانت قبل ٤ آب، هذه التّجربة و الخوف الذي عشته لحظة الإنفجار و أنا قريبة من موقع الحادثة و لحظة دويّ الإنفجار و تأثّر السيارة و نحن بداخلها لا أستطيع نسيانها أو تخطّيها، و منذ ذلك الوقت للآن لا أشعر أنّني أستطيع الحلم ولا لديّ القدرة على الغناء و العطاء كل ما كنت أريد قوله ترجمته على هيئة عمل غنائي عبارة عن وجع الوطن و هو “وينك يا بيروت”، تغيّر الكثير بي و انكسر و أنا أرى مدينتي تنمحي أمامي و هي المدينة التي عشت و كبرت و أحببت و حلمت و خلقت الحالة الفنيّة الخاصّة بي فيها ، كما أنّي غنّيت لبيروت الكثير و فيها بكل قطعة من أرضها و مناسباتها و أفراحها.
– كيف عشتي لحظات رعب ٤ آب و بماذا شعرتي بتواجدك قرب موقع الإنفجار و ما دار بفكرك في تلك اللحظات؟
■ كنت يوم ٤ آب في مار مخاييل داخل السيارة بجانب شركة الكهرباء و إذ باشتعال حريق غريب في المرفأ بازدياد مستمرّ بشكل كبير ، فقرّرت الإبتعاد عن المنطقة لأنه لم يبدو كحريق عادي و بعدها بدقيقة و 50 ثانية وصلت إلى “فوروم دو بيروت” و بدأت السيارات تتكسّر و غابت الشمس و مشهد مرعب راسخ في ذاكرتي و أنا أرى دماء الناس في كل مكان و جرحى حولي بعد تطاير السيارة بي و كأنّها نهاية العالم و في لحظاتنا الأخيرة و الحياة تنتهي و كل ما فكّرت فيه ان الموت يحاصرني،و حين عودتي للبيت شعرت بمعجزة و حماية إلهيّة هيي التي أنقذتني في لحظة إلهامي بالمغادرة قبل ثواني من الإنفجار.
– أطلقتي صرخة تُعبّر عن الحالة العامّة للحدث بكتابتك لكلمات الأغنية المعبّرة، هل فكّرتي حين كتابتك لها بغنائها أو لاحقا خطرت لك الفكرة؟
■ بعد يوم من الإنفجار و داخل حالة الصدمة الكبيرة لم أستطع النوم أو الكلام وصلتني رسالة على الإيميل من كاتب لبناني يقيم في أمريكا اسمه ربيع علم الدين أعلمني عن كتابته لمقال على صحيفة واشنطن بوست الأمريكيّة و طلب منّي قرارته و إن كان بالإمكان للأخذ به و كتابة كلمات أغنية من المقال لكن وقتها لم يكن لدي الإستعداد لكتابة أغنية و بعد قراءتي للمقال تغيّر الوضع و ألهمتني كتابته و بدأت بكتابة الكلمات التي تحاكي واقع عاشه الوطن لأنها عبارة عن قصّة وجع بكلام موزون يصِف حال كل من عاش تلك اللحظات و كل التساؤلات التي دارت في ذهننا جميعاً و ليست بأغنية عاديّة، و خلال زيارتي لأصدقاء لي تضرّرو من الإنفجار بعد أيّام معدودة و أنا في منطقة الأشرفيّة لم أتمالك دموعي و أنا أرى المدينة التي كانت تملأها الحياة بوضعها الحالي المُحزن و تساءلت “وينك يا بيروت” و كانت عنوان العمل الغنائي و سجّلنا الأغنيّة بحضور كورال مكوّن من أطفال لإضافة الأمل و انتهينا من كل تفاصيل العمل في الأسبوع الأوّل بعد الإنفجار لكن لم تُبصر النور فور الإنتهاء منها لأن الجرح كان لايزال حديث و الدم منثور في الأجواء و الضحايا تعاني و جزء لا يزال مفقود، لهذا قرّرت إصدارها في ذكرى مرور شهر على هذا الوجع للتذكير عن قصّة بيروت و عدم النسيان.
– هل فكّرتي بالهجرة في ظل هذه الظروف أو تفضّلين البقاء في لبنان بكل ظروفه؟
■ فقدنا الأمل بعد الإنفجار مباشرة و نعيش حالو نفسيّة صعبة و في الفترة التي تلت الإنفجار قلت سأترك البلد لم يتبقّى لنا شيء فيه، لكن الآن بعد مرور شهر فكّرت في حين ترك لبنان إلى من نتركه؟ نحن الشعب اللبناني مسؤولين عن الوطن بجماله و خرابه و بنوره و ظلامه الحالي و هذه سنة نحس حلّت على لبنان، و الآن سأبقى هنا لأرفع صوتي و أغنّي من داخل لبنان.
– في ظل هذه الظروف الصّعبة هل تؤيّدين طرح الفنّان لأغاني مفرحة و مُبهجة في مساهمة تغيير الحالة النّفسية للأفضل أو فقط يبقى في إطار الأغاني الوطنيّة المعبّرة لما يمر به البلد؟
■ حاليا أنا ضد كل عمل مفرح و مبهج لأن الجرح جديد و صعب تقبّل الأغاني المفرحة المعاكسة لواقعنا الذي لا يزال حزين و صعب و بدوري أدعي كل من لديه فكرة عن بيروت من الفنّانين يقدّمها و يسلّط الضوء عليها لنحت الواقع، و العمل الذي قدّمته بعنوان “وينك يا بيروت” ليس أنا فقط بل ساعدني عدد من النّاس لإطلاقه و أضفنا موقع إلكتروني باسم وينك يا بيروت لأي شخص يستطيع مشاركة أفكاره و أعماله عن بيروت و سنقدّم له الدّعم بالإضافة إلى أنّه محطّة لتدلّ النّاس لمساعدة كل من احتاج من المضرّرين.
– و من الجانب الفنّي و المهني، أصدرتي “وبنك يا بيروت” و هي أغنية وطنيّة هل هناك أي عمل غير وطني تم تأجيله بسبب الأوضاع؟
■ كنت على استعداد لطرح أغنية حب قبل الإنفجار و هي للمرّة الأولى التي أغنّي فيها هذا النّوع الهادئ و لكن أجّلتها بكل تأكيد و سأتركها لوقت لاحق و مناسب، و أعِد النّاس بعدم الغياب مجدّدا عن السّاحة الفنيّة بحُكم كنت أصدر كل سنة أغنية واحدة فقط و كما قلت سابقا عزيزة قبل ٤ آب اختلفت عن عزيزة بعد لأني شعرت بقُصر الحياة و “بثانية منطير” فالتأجيل ليس حلا و كل ما يرِد في البال و نفكر فيه يجب التصريح عنه و عمله من دون أي شعور بالخوف أو التردّد في كل المجالات و من اليوم سأتّجه للمواضيع التي أؤمن بها من الحب و الوجع و الوطن و المرأة العربيّة و جميعها تحكي بلسان النّاس و أطلقها على شكل موسيقى و بمجرّد هدوء الأوضاع سأطلق الأغنية المؤجّلة في وقتها المناسب.
– في حال قرّرتي بعمل ديو غنائي مع أحد فنّاني الوطن العربي من ستختاري؟
■ فنّانين كُثر أحبّهن من الوطن العربي و لو فكّرت حاليا سأختار الفنّانة سميرة سعيد و أيضا الموزّع المصري حسن الشافعي أودّ لو يجمعنا عمل مشترك.
– منصّات إلكترونيّة عدّة أصبحت حاليا منبراً للحفلات الإفتراضيّة هل هي حل مناسب بنظرك و يمكن أن تحيي مثل هذا النّوع من الحفلات؟
■ للأسف لم يبقى لنا حل آخر مع وجود جائحة الكورونا و بالتّأكيد أفكّر في احياء حفلة افتراضيّة طالما التّباعد الاجتماعي واجب في هذه المرحلة.
– هل من الممكن أن تتّجهي إلى التّمثيل يوما ما؟
■ ليس لديّ أي مشكلة مع التّمثيل إذ تواجد الدور الذي يشبهني لأنّه حلم منذ الطفولة و كنت أقوم بتمثيليّات في حفلات و مسرحيّات المدرسة لكن لم تأتي الفرصة المناسبة بالدّور المناسب الذي يجب تأديته بالشكل الصحيح و الإحترافي.
– رسالة أخيرة في نهاية الحوار
■ أوجّه رسالة لكل من يتابع أحداث لبنان بعدم التخلّي عن بيروت و هي الآن في أمسّ الحاجة لنا جميعاً و لكل فرد من العالم العربي و العالم يستطيع التبرّع و المساعدة يستمر لأن الوضع لا يزال كارثي و لم نخرج من الحالة الحرِجة للوطن بعد و لبنان بحاجة لكل فرد.