خاص – اوروميديا: دريد لحام: كم أتمنى العودة لحضن أمي

غوار الطوشي على الشاشة هو دريد لحام في حياته الطبيعية، الانسان الفنان الذي امضى معظم فترات حياته بتقديم اعمال فنية راقية لاقت قبولها الواسع والمنوع في جميع انحاء العالم العربي، صحيح انه ابتعد في الفترة الاخيرة عن الاضواء، لكنه عاد اليها من خلال “اوروميديا” التي التقته في دمشق وتناولت معه شريطه السينمائي الاخير “طريق دمشق – حلب”. ماذا عن الفيلم أولاً؟ يختصر دريد الرد بالقول هو عبارة عن رحلة بالباص من دمشق الى حلب جمع نماذج من كل شرائح المجتمع السوري وحيث في الطريق تحصل اشكالات يتدخل فيها احدهم للخير، الامر الذي يصيب الباقين بهذه العدوى، ذلك ان الخير يصيب بالعدوى تماماً كما الشر وعندما يصل الباص الى حلب يكون قد وصل الى مرحلة المجتمع المثالي الخير الذي يمثل المجتمع السوري داخل الباص.

وتبعاً لما يقوله دريد، تتضمن القصة اسقاطات على الواقع، انما بعيداً عن المجتمع المثالي الذي تتطلع اليه البشرية وحسب الفنان الكبير فان اهم ما اردنا الاضاءة عليه هي مسألة العدوى التي تصيب المجتمعات وفي كل المجالات الوطنية والعاطفية والبغض والخيانة… ومثالاً على ذلك، اطفال ثورة الحجارة في فلسطين الذي في اواخر الثمانينيات لم يخرجوا دفعة واحدة انما اصابت الثورة بعدواها اطفال فلسطينيون امثالهم لتبقى الانتفاضة مشتعلة حتى اليوم.

وماذا عن الربيع العربي؟ هل كان عدوى ام تجييش وحماس شعبيين اوصلنا الى ما نحن عليه اليوم، بالتالي هل المجتمع المثالي الذي تناوله الفيلم، واقع على الارض ام مجرد طموح وخيال لبلوغه؟

يرى دريد لحام ان مهمة العمل الفني الدرامي، سواء كان تلفزيونياً ام سينمائياً اما مسرحياً الاضاءة على فكرة ما ليس شرطاً ان تأخذ الفكرة طريقها الى التنفيذ مباشرة، انما يمكن ان تزهر بعد جيل او جيلين او اكثر… وهنا اعود للاستشهاد بأطفال الحجارة، الذين لم يكونوا جيل “النكبة” بل الجيل الرابع او الخامس الذي تلاها، ولكن الاغاني والاناشيد والاعمال الفنية اثمرت في هذا الجيل. واستدرك ليقول: عندما قدم الرحابنة اغنية “الغضب الساطع آت” لم يتصوروا ان يزهر عملهم كما غيره ثورة حجارة. وهنا اطرح السؤال لماذا انفجرت الثورة في هذا التوقيت؟! وجوابي بكل وضوح هو جراء التراكمات الدرامية التي عاشتها الاجيال الفلسطينية وتجسدت في اعمال فنية رائعة لاقول ان الاعمال الفنية قادرة على اصلاح الكون والمجتمع لم يخرج جمهور مسرحيتي “شقائق النعمان” و”كاسك يا وطن”، بمظاهرات، وجع انما خرج حاملاً معه الجرح الذي تفتح في المسرح وهذا ما يضيء عليه ايضاً فلم “طريق دمشق – حلب”، وهو خليط بين الكوميديا والتراجيديا وتحديداً اللايت كوميدي التي تحث على ابتسامة نابعة من الجرح، وتشاركني فيه صباح الجزائري، عبد المنعم عمايري، علاء قاسم وغيرهم كثر، احببت الفكرة كثيراً ما شجعني للعودة الى الشاشة العريضة من خلال فيلم يضج بالانسانية واحلامها بالسعادة والسلام والاستقرار. وأسال دريد: اين انت اليوم من المسرح وكانت تجربتك الاخيرة عام 2011 في مسرحية “السقوط” التي عرضت في قطر وغابت عن المسارح العربية بالكامل: واقع الحال ان ليس في جعبة دريد لحام اعمال مسرحية جديدة، ربما يعيد عرض “السقوط” كما كان مقرراً في الدول العربية… وهذا ان ارادت الشركة المنتجة احياء المشروع، يقول دريد، ويضيف: “ربما يتوقف ذلك على الاوضاع العربية وما تشهده من ازمات على كل المستويات”.

وهل انعكست هذه الاوضاع على الاعمال الدرامية ايضاً؟

الاعمال العربية المشتركة، التي وان كانت في جانب منها لاهداف تسويقية، لكنه افادت كثيراً الدراما، انتاجاً واخراجاً وتمثيلاً وتقنيات: اضاف على الصعيد الشخصي كان اخر عمل قدمته في هذا الاطار “سنعود بعد قليل”، فكان طبيعياً وفق احداث القصة التي تحكي عن رجل انتقل ابناؤه للعيش في لبنان. هنا الخلطة مقنعة في حين ان اعمالاً مشتركة اخرى استفادت على المستوى التسويقي ليس اكثر، لكن ذلك لا ينفي ان الفنان الكبير متفائل بالدراما العربية على الرغم من الازمات الكبيرة التي تعاني منها المجتمع العربية لاني مؤمن بأن الغد افضل واستدرك قائلاً وصلنا الى القاع الذي ليس بعده شي لذلك لا بد من النهوض من جديد للصعود وما اصاب الدراما العربية اصاب تحديداً الدراما السورية. وحسبه ان شركة الانتاج تأثرت بالخسارات المادية الكبيرة التي لحقت بها بسبب الحرب ولكنها لم تخسر معنوياً لوجود الفضائيات المفتوحة امام الجمهور مما اتاح امامه متابعة العمل الذي يحبه ولد عبر شاشة واحدة ونصح الشركات “ان تقبل بربح اقل لتعود الى سابق عهدتها وان تبتعد عن بيع المواقف في الاعمال الفنية وايضاً الابتعاد عن موضة التطويل والتشابه في القضايا التي تطرحها العشرات من شركات الانتاج السورية او العربية المشتركة كما التي تتنافس على الربح فضلاً عن ان دعم الدولة الذي كان المقصود به تطوير الاعمال نحو الافضل، جعلت هذه الشركات تستسهل الاعمال وتفتقد عنصر المنافسة بعدها ضمنوا بيع العمل مسبقاً مما اساء للدراما السورية بطريقة ام باخرى”، وكشف عن “اعمال مسمومة ابعد ما تشبه المجتمعات العربية، علماً ان العمل الناجح هو الذي يتناول في رأيي الواقع الاجتماعي بعيداً عن الزيف وتشغيل المخيلة لالتقاط المشاهد لقد جرى مثلاً تسويق افكار خاطئة عن المرأة السورية، بحيث ظهرت إمرأة مقموعة، معدومة الشخصية وخاضعة للرجل…هذا غير صحيح والدتي، وبعد انجابهما 12 ولداً لم اسمع اي حوار دوني بينها وبين والدي يوماً بحيث لم يوجه والدي لوالدتي كلمة نابية في حياته، عموماً كانت ولا تزال للمرأة السورية مكانتها في المجتمع ولطالما شهدنا ثريا الحافظ وهي تخطب في الجماهير في المظاهرات ونازك العظم التي شاركت في معارك ميسلون مع يوسف العظمة. مسلسل “حرائر” صحح الفكرة الخاطئة عن البيئة الشامية التي تم تسويقها ولكنه للاسف لم يحظ بنسب مشاهدة عالية مثل “باب الحارة” و”وردة شامية”.. ومع ذلك استمر بالقول “كاسك يا وطن” كل يوم بفرح الانتماء. السوريون، وانا منهم، مغروسون في ارضهم مثل التين والزيتون. وهنا استحضر قولاً للاديبة السورية غادة السمان: “لا تحاول ان تأخذ شجرتك معك الى الغرفة كي تحظى بظلها، لان الاشجار تهاجر”. نحن شجر لا تتخلى عن جذورها حتى لا يصيبنا اليباس، ولطالما كررت القول: وطني الثاني سوريا ووطني الاول رحم امي الذي عشت فيه تسعة اشهر بأمان واطمئنان. كنت سعيداً مثل كل اطفال الكون الذين نزلوا من ارحام امهاتهم وهم يبكون، لانهم لا يريدون مغادرتها، لانها الوطن الآمن. وهو بهذا المفهوم والايمان، يطمح لتقديم عمل مسرحي يتحدث عن الحرب الكونية على سوريا، ذلك ان الجمهور المسرحي يهب الفنان الطاقة وهنا استحضر واقعة حصلت للفنان الراحل نهاد قلعي الذي أصيب يوماً بكسر في ساقه لدى تقديمه مسرحية “البرجوازي النبيل” وهي انه لم يتوقف عن العرض رغم آلامه المبرحة، ذلك ان الجمهور المتبدل بين حفلة واخرى، شحنه بما اسميه بتلك الطاقة السحرية التي تنسيه آلامه وهمومه.

كاتبة هدى أسير

 

spot_imgspot_img
[tds_leads title_text="Subscribe" input_placeholder="Email address" btn_horiz_align="content-horiz-center" pp_checkbox="yes" pp_msg="SSd2ZSUyMHJlYWQlMjBhbmQlMjBhY2NlcHQlMjB0aGUlMjAlM0NhJTIwaHJlZiUzRCUyMiUyMyUyMiUzRVByaXZhY3klMjBQb2xpY3klM0MlMkZhJTNFLg==" f_title_font_family="467" f_title_font_size="eyJhbGwiOiIyNCIsInBvcnRyYWl0IjoiMjAiLCJsYW5kc2NhcGUiOiIyMiIsInBob25lIjoiMzAifQ==" f_title_font_line_height="1" f_title_font_weight="700" msg_composer="success" display="column" gap="10" input_padd="eyJhbGwiOiIxNXB4IDEwcHgiLCJsYW5kc2NhcGUiOiIxMnB4IDhweCIsInBvcnRyYWl0IjoiMTBweCA2cHgifQ==" input_border="1" btn_text="I want in" btn_icon_size="eyJsYW5kc2NhcGUiOiIxNyIsInBvcnRyYWl0IjoiMTUifQ==" btn_icon_space="eyJwb3J0cmFpdCI6IjMifQ==" btn_radius="3" input_radius="3" f_msg_font_family="394" f_msg_font_size="eyJhbGwiOiIxMyIsInBvcnRyYWl0IjoiMTEiLCJsYW5kc2NhcGUiOiIxMiJ9" f_msg_font_weight="500" f_msg_font_line_height="1.4" f_input_font_family="394" f_input_font_size="eyJhbGwiOiIxMyIsInBvcnRyYWl0IjoiMTEiLCJsYW5kc2NhcGUiOiIxMiJ9" f_input_font_line_height="1.2" f_btn_font_family="394" f_input_font_weight="500" f_btn_font_size="eyJhbGwiOiIxMyIsImxhbmRzY2FwZSI6IjExIiwicG9ydHJhaXQiOiIxMCJ9" f_btn_font_line_height="1.2" f_btn_font_weight="700" f_pp_font_family="394" f_pp_font_size="eyJhbGwiOiIxMyIsImxhbmRzY2FwZSI6IjEyIiwicG9ydHJhaXQiOiIxMSJ9" f_pp_font_line_height="1.2" pp_check_color="#000000" pp_check_color_a="var(--metro-blue)" pp_check_color_a_h="var(--metro-blue-acc)" f_btn_font_transform="uppercase" tdc_css="eyJhbGwiOnsibWFyZ2luLWJvdHRvbSI6IjYwIiwiZGlzcGxheSI6IiJ9LCJsYW5kc2NhcGUiOnsibWFyZ2luLWJvdHRvbSI6IjUwIiwiZGlzcGxheSI6IiJ9LCJsYW5kc2NhcGVfbWF4X3dpZHRoIjoxMTQwLCJsYW5kc2NhcGVfbWluX3dpZHRoIjoxMDE5LCJwb3J0cmFpdCI6eyJtYXJnaW4tYm90dG9tIjoiNDAiLCJkaXNwbGF5IjoiIn0sInBvcnRyYWl0X21heF93aWR0aCI6MTAxOCwicG9ydHJhaXRfbWluX3dpZHRoIjo3NjgsInBob25lIjp7ImRpc3BsYXkiOiIifSwicGhvbmVfbWF4X3dpZHRoIjo3Njd9" msg_succ_radius="2" btn_bg="var(--metro-blue)" btn_bg_h="var(--metro-blue-acc)" title_space="eyJwb3J0cmFpdCI6IjEyIiwibGFuZHNjYXBlIjoiMTQiLCJhbGwiOiIxOCJ9" msg_space="eyJsYW5kc2NhcGUiOiIwIDAgMTJweCJ9" btn_padd="eyJsYW5kc2NhcGUiOiIxMiIsInBvcnRyYWl0IjoiMTBweCJ9" msg_padd="eyJwb3J0cmFpdCI6IjZweCAxMHB4In0=" f_pp_font_weight="500"]

Related articles

spot_imgspot_img