ضمن إطار العمل على تحقيق الحكم الرشيد، تعزيز الحوكمة ومكافحة الفساد في القطاع العام والخاص، أطلق “مرصد الوظيفة العامة والحكم الرشيد” في جامعة القديس يوسف بالتعاون مع مؤسسة كونراد اديناور Konrad-Adenauer-Stiftung (KAS)، منتدى الحكم الرشيد، يوم الأربعاء 4 تشرين الثاني في حرم كلية العلوم الاجتماعية في شارع هوفلان.
البداية مع البروفسور سـليم دكّاش اليسوعي، رئيس جامعة القدّيس يوسف في بيروت، الذي القى كلمة افتتاحية أعلن خلالها إطلاق اعمال المنتدى، مشيراً الى أن “اللبناني اليوم يطمح الى دولة قادرة تتحمل مسؤولياتها وتوفر لأبنائها ما هو متوفر لسائر البشر في دول العالم الديمقراطي من مقومات الحكم الرشيد كسيادة القانون والمحاسبة والنزاهة والشفافية والوصول الى المعلومات”.
وأضاف دكّاش: “آن الأوان لولادة “جمهورية الحكم الرشيد” في وطننا العالي لبنان. من دونها سيبقى لبنان مشروعاً فاشلاً غارقاً في الحروب والأزمات يصدر خيرة أبنائه الى الهجرة. سنبقى غارقين في الفساد والفوضى والزبائنية وستعلن ختاماً موت الوطن”.
واكد دكاش ان الحكم الرشيد هو الخلاص “ولأنه كذلك سنواصل سعينا في جامعة القديس يوسف لنشر مبادئها وما يقوم به مرصد الوظيفة العامة والحكم الرشيد منذ انشائه خير دليل على هذا المسعى”.
ثم القى النائب ياسين جابر، رئيس اللجنة النيابية الفرعية لدرس قاتوت الشراء العام، كلمة أشار فيها الى أن “هذه المبادرة تأتي في وقت نحن أحرج مما نكون فيه للذهاب إلى العمل والمطالبة بتحقيق الحكم الرشيد بعد ان جربنا في العقود الماضية كل شيء وهذا ما اوصلنا الى هذا الانهيار”، مؤكداً أنّه لا يوجد “في لبنان لا حكم رشيد”.
ولفت جابر الى أن “أهمية هذه المبادرة أنها تنطلق من الجامعة اليسوعية ونحن اليوم بحاجة لزرع في صفوف شبابنا أهمية الحكم الرشيد”.
ودعا جابر للعمل جميعاً يداً واحدة “من اجل ان نحقق الحكم الرشيد من خلال بناء دولة القانون والمؤسسات”، مضيفاً أنه “للأسف الشديد على مر السنوات وبالرغم عملنا في المجلس النيابي في الماضي على عشرات القوانين التي تشكل هيكلاً للإصلاح الحقيقي، نرى بان المشكلة دائماً هي في عدم تطبيق هذه القوانين”.
وتابع: “المشكلة في لبنان اليوم هي كيف يمكننا التأكد من ان كل قانون يصدره المجلس النيابي سيتم تطبيقه، لذلك اقترحنا منذ سنوات قليلة انشاء لجنة لمتابعة تطبيق هذه القانون لوضع الجهد اللازم لتطبيقها وانشاء المؤسسات الراعية لتطبيقها”.
وأكد جابر أن “العودة الى الحكم الرشيد هو ممر الزامي للخروج من الازمة التي نعاني منها، والبند الأول في أي برنامج لدعم لبنان هو لتطبيق الإصلاحات”، داعياً الى شراكة بين المرصد والمجلس النيابي لأكبر تعاون ممكن ليتمكن الشباب من الاطلاع على ما يحصل في المجلس النيابي.
بدوره، تحدث النائب جورج عقيص، الذي أكد تفاؤله بهذه المنتدى رغم أنه بالأساس يحذر من المنتديات لكثرتها في لبنان، قائلاً: “المنتدى الحالي يتميز بقيمة تفضيلية هي انه ممهور بتوقيع جامعة القديس يوسف”، مشيراً الى أننا في لبنان بحاجة لكل ابعاد الحكم الرشيد الذي يدار لمصلحة الشعب في تطوره والمؤسسات في أدائها وفعاليتها، ولأسلوب الحكم الأمثل في الديموقراطيات.
واعتبر عقيص أن “الحكم الرشيد يفترض مشاركة الشعب في اتخاذ القرار، تقديم الخدمات الحكومية بفعالية، احترام حقوق الانسان وحكومة شفافة منتجة وخاضعة للمحاسبة”.
كما تمنى عقيص على المنتدى، بواسطة تواصل وثيق مع المجلس النيابي، القيام بالرصد على ١٤محاور، الحكومة الالكترونية لما فيها أهمية كبيرة لتطور لبنان ومحاربة الفساد فيه، القضاء المستقل وحقوق الانسان، الشفافية في إدارة المال العام والتنمية بكل اوجهها، واضعاً كل امكانياته في خدمة هذا المشروع.
كما تحدث الدكتور مالتي غايير، مدير مؤسسة كونراد أديناور في لبنان، شاكراً الجامعة القديس يوسف على عملها، مُرحباً بالتعاون معها لما فيه مصلحة المؤسسة والجامعة والمواطن اللبناني. كما تحدث عن المنتدى الذي يأخذ حيزاً مهماً في أهداف المؤسسة في لبنان.
وفي ختام إطلاق المنتدى، ألقى البروفسور باسكال مونان، مدير مرصد الوظيفة العامة والحكم الرشيد في جامعة القّديس يوسف، كلمة أكد في خلالها “التمسّك بزرع مفهوم الحكم الرشيد في عقول الشباب لا سيّما الطلاب منهم، من خلال القيم اليسوعيّة القائمة على مواجهة الفساد وعدم الاستسلام للواقع، وهذا يكون بالممارسة المهنيّة المسؤولة، والمقارعة بالحجّة والبرهان، وعدم الانغلاق والاستسلام والتخوين وإطلاق الأحكام شمالاً ويميناً من دون اي اساس”.
وأضاف: “ان إطلاق المنتدى من قلب بيروت الذي انفجر مع انفجار المرفأ في الرابع من آب الماضي، يندرج في هذا الإطار، ويمثّل رسالة ايمان راسخ وقوي من جامعة القديس يوسف، ومن مرصد الوظيفة العامة والحكم الرشيد، بأن القيامة حتميّة، وان الحياة تعود دائماً اقوى واكثر توهّجاً، وان بيروت فعلاً لا تموت”.
وختم البروفسور مونان قائلاً: “لقد دفع لبنان ثمناً غالياً نتيجة غياب الحكم الرشيد، واستبدل به منطق المحاصصة والزبائنية التي اوصلتنا الى الحال السيئة التي نعيش. وليس مستغرباً ان كل وصفات الحل وبينها المبادرة الفرنسية ركّزت على مقوّمات هذا الحكم كشرط للنهوض. وانطلاقاً من ذلك ينبغي على الحكومة الجديدة ان تضع الحكم الرشيد كأساس لعملها وبرنامج حكمها”.
وبعد انتهاء جلسة الافتتاح، بدأ الحاضرون اعمال أول جلسة تحت عنوان “قانون الشّراء العام أساس للحكم الرشيد”، الذي بُث مباشرة عبر فيسبوك وتطبيق “Zoom”، وحضره من داخل حرم الكلية كل من النائبين ياسين جابر وجورج عقيص، الأستاذة لميا مبيّض بساط، رئيسة “معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي” في وزارة المالية، الدكتور جان العلّية المدير العام لإدارة المناقصات في هيئة التفتيش المركزي، والأستاذ كريم ضاهر محام ومتخصص بالإصلاح المالي والضريبي.
وافتتح البروفسور باسكال مونان جلسة النقاش الأولى التي أدارها الدكتور شربل مارون، الإعلامي والأستاذ الجامعي، الذي نقل أسئلة المشاهدين المشاركين بالحوار عبر الانترنت لضيوفه.
يُذكر أن الهدف الأساسي من إطلاق “منتدى الحكم الرشيد”، هو خلق إطار تحفيزي لبناء سياسات عامة أكثر قابلية للتطبيق، تأخذ بعين الاعتبار معايير الحكم الرشيد، وتوفّر وسيلة ضغط بين يدي المواطن اللبناني من خلال تعريفه بحقوقه وواجباته، كما يهدف الى توفير المعلومات المتاحة عن عمل الدولة واداراتها ومؤسساتها، وتحديد الأمور والنواحي التي يمكن تحسينها في الادارة العامة.
ومن المفترض ان يشكل هذا المنتدى صلة الوصل بين صانعي القرار والمؤثرين فيه من جهة، والرأي العام من جهة أخرى، كما أنه سيسعى مستقبلاً الى الانفتاح باتجاه القطاع الخاص، انطلاقاً من القناعة الراسخة بضرورة تحقيق معايير الحوكمة في هذا القطاع ايضاً، بالإضافة الى مؤسسات المجتمع المدني وفي المجالات القانونية والحقوقية وقضايا المجتمع كافة.