“كتب ربيع ياسين في “جسور
أكثر سؤال يطرحه اللبنانيون يومياً كم بلغ سعر صرف الدولار؟ وهل من أمل في توحيد سعر الصرف على رقم معين؟ ومتى
سيحصل ذلك؟
حتى اليوم لا أجوبة شافية وحقيقية لسعر الدولار الذي يشهد يومياً تقلبات يستفيد منها البعض ويخسر منها البعض الآخر في ظل تكهنات بأرقام خيالية قد يصل إليها الدولار قريبا.
عوامل ساهمت في تخطي الدولار عتبة الـ 40 ألفاً
مما لا شك فيه أن سعر صرف الدولار لم يعد يخضع إلى العوامل الاقتصادية التقليدية أي عملية العرض والطلب فحسب، إنما هناك عوامل أخرى باتت تساهم بشكل رئيسي في تقلب أسعاره يومياً منها: انعدام الثقة، غياب القرار السياسي، تفاقم التهريب عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية، دخول مصرف لبنان بلعبة البازار السياسي وإصداره تعاميم في أوقات معينة – وفي الكثير من الأحيان تكون سياسية أكثر مما هي إنقاذية – عدم وجود خطة اقتصادية إنقاذية واضحة، انتشار التطبيقات الإلكترونية وعدم ملاحقة أصحابها من قبل الجهات المختصة، عدم ملاحقة الصرافين – المحميين من قبل جهات سياسية معينة – الذين يتلاعبون بسعر الصرف .. هذه العوامل وغيرها ساهمت في تخطي الدولار عتبة الـ 40 ألفا ومن المتوقع أن يرتفع أكثر متخطياً عتبة الـ 100 الف إذا استمر الوضع على ما هو عليه اليوم.
أيهما أفضل للبنان .. تثبيت العملة أم تحريرها؟
ينتقد البعض سياسة تثبيت العملة التي اتبعها لبنان ابتداءً من عام 1997 والتي برأيهم أوصلت البلد إلى الانهيار.. ليبقى السؤال أيهما أفضل للبنان .. ثبيت العملة أم تحريرها؟
هناك نظرية اقتصادية تقول إن الأنظمة السياسية التي تتمتع بالاستقرار السياسي والأمني كلفة تحرير عملتها تكون أقل على اقتصادها، أما بالنسبة للأنظمة التي لا تتمتع بالاستقرار السياسي والأمني فالأفضل أن يتم تثبيت عملتها لأن كلفة التثبيت تكون أقل كلفة على اقتصادها، لذلك الأفضل بالنسبة للبنان اليوم تثبيت الليرة على سعر صرف موحد.
كيف لدولة مفلسة أن تُثبّت عملتها؟
قد يتساءل البعض كيف لدولة مفلسة أن تُثبّت عملتها؟ أولاً لبنان ليس بلداً مفلساً بل منهوباً من قبل مسؤوليه، وهذا الأمر أدى إلى انعدام الثقة بالمسؤولين اللبنانيين وقد ظهر ذلك جلياً في مؤتمر “سيدر” بعد رفض المجتمع العربي والدولي إعطاء المسؤولين اللبنانيين أموالاً على بياض – كما حصل في مؤتمر “باريس 1″، “باريس 2″ و”باريس 3” قبل البدء بإصلاحات مشروطة.
ومنذ حوالى الأسبوعين قالت وزارة المال في بيان إنها اتفقت مع المصرف المركزي على اعتماد سعر صرف رسمي جديد في لبنان وهو 15 ألف ليرة مقابل كل دولار بدل من 1507 ليرات المعمول به منذ 25 عاماً كخطوة أولى باتجاه توحيد سعر الصرف وقد حدد وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف خليل الأول من شهر نوفمبر/تشرين الثاني موعداً لتنفيذ تطبيق سعر الصرف الجديد، إلا أن هذا القرار لم يُنفذ بعد!خطوة ثبيت سعر الصرف أصبحت حاجة ضرورية، وفي حال نجحت الحكومة في تنفيذها ستكون باباً أساسياً لبدء الخروج من الأزمة شرط أن تكون مرتبطة بتوحيد سعر صرف العملة، فتثبيت العملة من دون توحيدها ستكون آثارها كارثية ليس على المواطن فحسب بل على الاقتصاد ككل. وتوحيد سعر الصرف هو بالأساس مطلب رئيسي من مطالب صندوق النقد لكن تنفيذه يحتاج إلى:
– قرار سياسي
– خطة اقتصادية
– خطة أمنية
بالعودة إلى القرار السياسي، الكل يعلم أنه في بلد مثل لبنان نقل حاجب من مكان إلى آخر يحتاج إلى قرار سياسي، فكيف إذا كان قراراً بمستوى توحيد سعر الصرف! حتى اليوم لا قرار سياسيا جديا بهذا الشأن.
أما بالنسبة للخطة الاقتصادية فهي أمر أساسي وضروري بعد القرار السياسي، كونها تتضمن إصلاحات من ضمنها توحيد أسعار الصرف. الجدير ذكره أنه في نيسان / ابريل الماضي اتفق لبنان مع صندوق النقد على تنفيذ قائمة من الإصلاحات من ضمنها توحيد أسعار الصرف من أجل حصول لبنان على تمويل، لكن الإصلاحات لم تُنفذ والتمويل لم يأتِ!
أما فيما يتعلق بالخطة الأمنية فهي أساسية من أجل ملاحقة من يحرك التطبيقات الإلكترونية التي تتلاعب يومياً بسعر العملة، كذلك الأمر ملاحقة الصرافيين الخارجين عن القانون الذين لا يقل دورهم عن دور التطبيقات، وهنا نستذكر أنه في فترة التسعينيات وأثناء البدء بمراحل تثبيت سعر صرف العملة عمدت القوى الأمنية في تلك المرحلة إلى ملاحقة الصرافيين الذين لا يحملون رخصا والذين كانوا منتشرين على الطرقات وفي الشوارع، وكانوا يتلاعبون بالأسعار، وقد استطاعت الدولة القضاء على تلك الظاهرة وعلى ظاهرة السوق الموازية ونجحت في تثبيت سعر صرف العملة ومن ثم توحيدها. فهل تنجح حكومة تصريف الأعمال اليوم في تكرار سيناريو التسعينيات قبل أن يتخطى الدولار عتبة الـ 100 ألف ليرة؟