ربيع ياسين
أكد وزير الإقتصاد والتجارة راوول نعمة، أن الإقتصاد اللبناني يمرّ بأصعب مرحلة في تاريخه، لأن الأزمة لسيت إقتصادية فحسب، إنما مالية، إجتماعية، وسياسية أيضاً، وهذا الأمر أدى الى فورة شعبية، نتج منها حراك بدأ في 17 تشرين ولا يزال.
وكشف في هذا الحوار مع “الأمن” عن الخطوات التي تُخرج لبنان من أزمته والمتمثلة بالمساعدة الخارجية وتحديداً من قبل صندوق النقد، إضافةً إلى البدء بالإصلاحات، هذا فضلاً عن ضرورة وجود توافق سياسي.
ونفى ما أشيع عنه حول رفع الدعم عن المحروقات والخبز، مؤكداً أن الوزارة ستدعم كلّ إنسان محتاج خصوصاً في هذه المرحلة الصعبة التي نمر بها، مشيراً الى وجود بعض الأشخاص أو البعثات الخارجية التي لا تحتاج هذا الدعم، وهي تأخذ من درب الفقراء، لافتاً الى أن رفع الدعم عن هؤلاء من شأنه تخفيف الهدر الموجود، خصوصاً وأن هذه الخطوة قد نجحت في بلدان عديدة كمصر، والأردن وغيرها من الدول.
وفي الآتي نص الحوار :
• كيف تقرأ اليوم واقع الإقتصاد اللبناني؟
– يمرّ الإقتصاد اللبناني بأصعب مرحلة في تاريخه. فالأزمة اليوم ليست إقتصادية فحسب، إنما هي مالية، إجتماعية، وسياسية أيضاً، وهذا الأمر أدى الى فورة شعبية نتج منها حراك بدأ في 17 تشرين ولا يزال. هذا الحراك أجبرنا على بذل جهد أكبر من أجل معالجة الأمور، ولكن الحلول بطبيعة الحال تحتاج الى الكثير من الوقت، فنحن ندفع اليوم ثمن ثلاثين عاماً من السياسات الخاطئة في المجالات كافة.
• لماذا وصلنا الى هذه المرحلة برأيك؟
– عمدت الحكومات المتعاقبة إلى صرف أموال تفوق قدرتها، وذلك من أجل تمويل الدولة من جهة، ولتأمين الإستيراد من جهة أخرى، خصوصاً وأن لبنان يعتمد بشكل أساسي على الإستيراد، وهذا الأمر سبب عجزاً كبيراً في ميزانية الدولة، ما دفع بتلك الحكومات للتوجه الى المصارف من أجل الإقتراض، وبما أن هدف المصارف كان ولا يزال تحقيق الأرباح، فقد قامت تلك المصارف بإقراض الدولة، مع العلم أن لبنان في تلك المرحلة كان ينعم بإزدهار مالي وإقتصادي، بسبب الودائع الخارجية من جهة، والإستثمارات في الإقتصاد الريعي من جهة أخرى، فإنفاق الدولة غير الموجه كان يدفعه المودع والمستثمر معاً، هذا فضلاً عن الهدر الحاصل والفساد والسرقات ما فاقم عجز الدولة أكثر فأكثر.
• وماذا عن المشكلات السياسية ؟
– المشكلات السياسية كانت ولا تزال أصل الأزمات، فهي تٌعيق تقدم البلاد، ونمو إقتصاده، وتمنع الإصلاحات. فإذا أخذنا ملف الكهرباء على سبيل المثال، نلاحظ أن كلفة هذا القطاع تجاوزت في السنوات العشرين الأخيرة عتبة الـ 40 مليار دولار، ولم نستطع حتى الآن تأمين الكهرباء، لان هذا الأمر يحتاج الى توافق سياسي، مع العلم أنه لا يوجد نظام في العالم يعتمد على التوافق السياسي، أو التوافق في الحكم، دائماً في الأنظمة الديمقراطية، هناك موالاة ومعارضة الأولى تحكم والثانية تعارض، أما في لبنان فالأمر مختلف. فنحن مع الأسف نعاني ضعفاً في إتخاذ القرارات في المجالات كافة، وهذا الأمر إنعكس سلباً على إقتصادنا. وفي أحسن الأحوال عندما نقرر لا ننفذ مع الأسف.
• كيف سيخرج لبنان من أزمته الاقتصادية؟
هناك ثلاث خطوات تُخرج لبنان من أزمته: المساعدة من الخارج، بدء تنفيذ الإصلاحات، والتوافق السياسي. لقد بدأنا تنفيذ الخطوة الأولى وطلبنا المساعدة من صندوق النقد الدولي، واليوم تُجرى لقاءات بين الفريق اللبناني ووفد صندوق النقد الدولي. الا إن هذه الخطوة وحدها لا تكفي، لذلك يجب علينا البدء بالإصلاحات، لأن صندوق النقد أو أي جهة دولية لن تُقرض لبنان أي دولار ما لم يبدأ بالإصلاحات الفعلية. فضلاً عن ذلك ضرورة لوجود توافق سياسي، وهذا مطلب الصندوق الأساسي، كي يضمن أمواله في حال تغيرت الحكومة أو تبدلت المعطيات، فأموال الصندوق ليست هبات إنما هي قروض مشروطة بإصلاحات.
• هل تعتقد أن المفاوضات مع صندوق النقد ستنجح وسيحصل على الدعم المطلوب؟
– أنا لست ضمن الفريق الذي يُفاوض اليوم، وحتى إن كنت ضمن هذا الفريق فلا أتحدث عن سير المفاوضات، لأنها برأيي يجب أن تبقى سرية. لكن بحسب صندوق النقد المفاوضات لا تزال في بدايتها، فوفد الصندوق حتى الآن يستفسر عن الوضع، وكلنا نعلم مدى صعوبة تركيبة السياسة اللبنانية، وبالتالي هذه الأمور تحتاج الى وقت، لأن الصندوق في النهاية يريد أن يضمن حقه كأي مصرف. لكني أعود و أكرر أن لبنان لن يستطيع الخروج من أزمته إلا بدعم منه، فهو الباب الرئيسي للدخول الى المؤسسات الدولية الأخرى وللحصول على أموال “سيدر”.
• هناك معلومات تقول بإن أموال “سيدر” لم تعد موجودة، هل هذا صحيح؟
– هذا الكلام غير صحيح، وقد إعتدنا عليه من قبل بعض الصحف ووسائل الإعلام لأهداف وغايات معينة.
• تجاوز عمر حكومتكم الـ 150 يوماً، وحتى الآن لم نلمس إصلاحاً، ما السبب برأيك؟
– لا شك في أن أي إنجاز يحتاج إلى الكثير من الوقت خصوصاً في لبنان، وبالتالي مشاكل ثلاثين عاماً لا يمكن حلها في 5 أشهر. هذا فضلاً عن التعقيدات الموجودة أساساً في السياسية اللبنانية. فعندما تسلمت وزارة الإقتصاد قررت العمل على قانون من أجل حماية المستهلك ضمن مئة يوم، وفي الحقيقة أنجزته بصعوبة بسبب غياب الأرضية الصالحة للعمل، وبعد ذلك أرسلته الى الوزارات المعنية لدراسته، وكذلك الأمر بالنسبة لقانون المنافسة، فكل هذه القوانين تحتاج الى دراسات من قبل الوزارات المعنية، فضلاً عن ضرورة إقناع مجلس النواب والمعنيين بأهميته، وهذه الأمور تأخذ الكثير من الوقت، لذلك لن نستطيع تغيير البلد في غضون أشهر قليلة، رغم ذلك هناك انجازات تحققت. فعلى صعيد وزارة الاقتصاد مثلاً هناك السلة الغذائية التي تعد إنجازاً بالنسبة الينا خصوصاً وأنها تمت بمساعدة جهات دولية وبمتابعة داخلية لأسعار السلع وغيرها من الأمور.
• هل فعلاً هناك قرار بوقف الدعم عن المحروقات والخبز؟
– كثرت في الآونة الأخيرة الشائعات، وشائعة وقف الدعم كانت واحدة منها. الموضوع ليس كما سُرب في الإعلام أن وزير الإقتصاد قرر وقف الدعم عن المحروقات والخبز. هذا الأمر غير صحيح، فنحن نريد أن ندعم كلّ إنسان محتاج خصوصاً في هذه المرحلة الصعبة التي نمر بها، الا أن هناك بعض الأشخاص أو البعثات لا تحتاج إلى هذا الدعم، وهي تأخذ من درب الفقراء، كالبعثات الأجنبية مثلاُ وغيرها، وفي حال رُفع الدعم عن هؤلاء، فهذا الموضوع من شأنه تخفيف الهدر الموجود، خصوصاً وأن هذه التجربة قد نجحت في بلدان عديدة كمصر، والأردن وغيرها من الدول، فلماذا لا نطبقها؟
• نشهد إرتفاع غير مسبوق لأسعار السلع بسبب الدولار، فإلى أين سنتجه؟
– أسعار السلع ترتفع مع إرتفاع الدولار الأميركي، واليوم مع الأسف لا أحد يستطيع أن يعلم أين سيتجه الدولار، لأن هذه مسؤولية مصرف لبنان. فالحكومة وبحسب قانون النقد والتسليف لا تستطيع التدخل إلا من خلال رفع توصيات الى المصرف المركزي، ولكن على الرغم من إرتفاع الأسعار إلا أن معظمها وتحديداً السلع الإستهلاكية لم تصل إلى حدود إرتفاع الدولار، وذلك بسسب وجود جزء من التكلفة بالليرة اللبنانية، وهذا الأمر كان واضحاً في الإحصاءات الماضية التي قامت بها جمعية حماية المستهلك.
• وماذا عن التجار الذين يرفعون الأسعار بشكل غير مقبول؟
– نحن في الوزارة نحاول قدر المستطاع مراقبة التجار، ومعاقبة المخالفين منهم، إما عبر محاضر ضبط، أو عبر إقفال متاجرهم، لكن في المقابل هناك العديد من التجار الذين يعملون ضمن القوانين، ولا يقومون بإستغلال الناس.
• هل هناك خطة وزارية معينة لضبط الأسعار في حال إرتفع الدولار أكثر؟
– لا شك في أن الأسعار ستتغير مع إرتفاع الدولار، والا ستُقفل المحال التجارية بمختلف أنواعها. في مقابل ذلك قامت الحكومة بدعم السلع الأساسية كالحبوب، السكر، الحليب، الأجبان، الألبنان، البروتينات، الدجاج، كما دعمنا الأسمدة والأدوية البيطرية للمواشي، فضلاً عن دعم المواشي الحلوب، وكل ذلك يهدف إلى مساندة المواطن اللبناني قدر المستطاع.
• وماذا عن تهريب المازوت؟
– منذ اللحظة التي أعلنّ فيها مصادرة الصهاريج التي ستهرب مادة المازوت، لاحظنا انخفاضاً ملوحظاً في تلك الشاحنات، ونحن مستمرون في مكافحة التهريب قدر المستطاع، لكن، لا أحد في العالم يستطيع ضبط حدوده مئة في المئة، فأميركا ورغم كل التكنولوجيا الموجودة لديها لم تستطع ضبط حدودها مع المكسيك. لكن لا بد من الإشارة الى بعض الجهات التي تروج لأخبار كاذبة وصور مفبركة عن استمرار التهريب، وهؤلاء بالطبع هدفهم الإساءة الى صورة لبنان.
• برأيكم، لبنان إلى أين ؟
– أنا متفائل. لبنان سيتجه نحو الأفضل، والأزمة ستمر، ولكن الأمر يتطلب وقتاً وصبراً، ونحن كحكومة قلنا في البيان الوزاري إننا سوف نمر بوضع مؤلم، قبل النهوض مجدداً. نحن سنبذل جهدنا للعبور بلبنان الى برّ الأمان، لكن يجب علينا أن نتكاتف جميعاً مواطنين وسياسيين من أجل تخطي هذه الأزمة بأقل ضرر ممكن.