جبارة لـ”الأمن”: رفع الدعم كارثي على النظام الصحي

ربيع ياسين

يتهافت اللبنانيون منذ أشهر على شراء الأدوية وتخزينها، خصوصاً أدوية الأمراض المزمنة، خوفاً من إرتفاع أسعارها، بعد الحديث المتكرر عن إحتمال رفع الدعم عنها. هذا الأمر أدى الى فقدان العديد من الأدوية، ما دفع بالصيدليات إلى الإمتناع عن بيع أكثر من علبة واحدة لكل مريض.
حتى هذه اللحظة لم يخرج أي مسؤول لطمأنة الناس حول مصير أسعار الأدوية للأشهر المقبلة.
فلا أحد يملك أي تصور لما ستؤول اليه الأمور في هذا القطاع مستقبلاً أو أيّ حلّ لإعادة الأسواق الى طبيعتها، في ظلّ شحّ الدولار الأميركي وتدهور سعر صرف العملة.
من جهته، يؤكد نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة في حديثه إلى “الأمن” أن” رفع الدعم كلياً عن الدواء هو كارثة للنظام الصحي في لبنان، لأن هذا الأمر يؤدي حتماً الى رفع الأسعار بحوالي 6 أضعاف على الأقل عن السعر الموجود اليوم وربما أكثر، كون سعر الدواء سيرتبط مباشرةً بسعر صرف الدولار في سوق السوداء، وعندها سنكون فعلاً أمام أزمة كبيرة قد لا تُحمد عُقباها، فالمواطن سيقف عاجزاً عن دفع ثمن دوائه بسبب حالة الفقر التي أصابته، كما أن الجهات الضامنة لن تكون قادرة على تحملّ زيادة السعر خصوصاً وأن ميزانياتها بالليرة اللبنانية وهي لا تملك إيرادات”.
يضيف: ” إن تهافت مستوردي السلع الأساسية المدعومة، بما في ذلك الدواء، على سوق السوداء من أجل تأمين العملات الأجنبية، سيساهم برفع سعر تلك العملات بشكل جنوني، مما سينعكس سلباً على القطاعات كافة”.
إذاً، وقف الدعم بطريقة كاملة هو أمرٌ كارثي برأيّ جبارة متمنياً أن لا يُطرح مجدداً، ويقول: “هناك حديث آخر يتعلق بإمكانية رفع الدعم ولكن بشكلٍ تدريجي. في الحقيقة هذا إقتراح غير واضح حتى الساعة، لذلك نحن نرفضه أيضاً، ونتمنى على المسؤولين تحييد قطاع الدواء والصحّة خلال الفترة المقبلة من أية قرارات متعلقة بإمكانية رفع الدعم، والتركيز على موضوع الحكومة وعلى برنامجها الإصلاحي كي نكسب بعض التدفقات المالية من الجهات المانحة. فالجميع يعلم أن وضع القطاع الصحيّ في لبنان دقيق للغاية، خصوصاً بعد إنفجار المرفأ حيث دمرت العديد من المستشفيات، هذا فضلاً عن جائحة “كورونا” التي إجتاحت المناطق اللبنانية كافة، لذلك نحن بحاجة الى مساعدة دولية في قطاع الدواء والصحّة، بغض النظر عن الإصلاحات، كي يستطيع هذا القطاع الإستمرار. وبإعتقادي أن الجهات العالمية قد تتجاوب مع هذا الطلب في حال تضافرت الجهود في لبنان لطلب تلك المساعدة”.
يتابع: ” سمعنا في الإعلام مؤخراً بعض الإقتراحات المتعلقة بترشيد الفاتورة الدوائية، كإستبدال دواء BRAND بآخر جينيريك، هذا ليس حلاًّ. فأسعار بعض أدوية الجينيريك هي أعلى من
أسعار الأدوية الأساسية، كما أن هذه الخطوة من شأنها إستبعاد الشركات العالمية التي ساهمت أصلاً برفع مستوى الصحة في لبنان، وهذه الخطوة برأيي لن تُحسن الفاتورة الدوائية. وهناك اقتراح آخر يتحدث عن إمكان وضع لائحة بالأدوية الأساسية المفترض دعمها. في الحقيقة هذا إقتراح يصعب تنفيذه من النواحي كافة، بما فيها النواحي التقنية. بمعنى آخر ايّ لجنة ستقرر ما هي الأدوية الأساسية التي يجب وضعها في اللائحة المدعومة وعلى أي أساس!”.
يضيف: “هناك فكرة جديدة يتم التداول بها مؤخراً قوامها رفع سعر الصرف تدريجياً من 1500 ليرة للدولار الواحد إلى نحو 3900 ليرة، وهي تُطبق على الأدوية الرخيصة الثمن، وقد إستند أصحاب هذا الإقتراح على فكرة أن المواطن يستطيع تحملّ هذا الفرق البسيط، كذلك الأمر بالنسبة للجهات الضامنة. ولكن هذه الخطوة لا نستطيع تطبيقها على الأدوية متوسطة السعر والمرتفعة. هذا الإقتراح قد يكون قابل للتنفيذ بعد دراسته والتعمق به، ودراسة تأثيره مستقبلاً على المواطن وعلى الجهات الضامنة”.
جبارة يتمنى على “المسؤولين العمل مع النقابة من أجل استمرار الدعم على الأدوية كافة لسنة إضافية، على أن يُطلب جسر تمويلي من الجهات العالمية لدعم هذا القطاع، وأن نوفر من السلع الأخرى لصالح هذا القطاع”.
وعن فقدان الأدوية في الأسواق اليوم يقول: ” في الحقيقة هناك العديد من الأدوية التي فُقدت من الأسواق بسبب تهافت الناس على شرائها بكميات كبيرة، بعد الحديث عن إمكانية رفع الدعم، وازداد الطلب على الأدوية بشكل مهول خصوصاً في أول أسبوع من شهر أيلول، اذ سُحب من الصيدليات في هذه الفترة ما يُعادل شهراً كاملاً، وهذا أمرٌ كارثي كوننا لا نملك مخزوناً كافياً. هذا الأمر دفعنا بالتعاون مع نقابة الأطباء والصيادلة إلى إتخاذ إجراءات معينة من أجل تطويل أمد الخزون قدر المستطاع، ولكن بطبيعة الحال هذه الإجراءات ليست كافية لمعالجة الأزمة، فغياب التطمينات من قبل المسؤولين هو سبب أساسي لتفاقم حالة الهلع ولازدياد الطلب على الأدوية وبالتالي فقدانها من الأسواق”.
يضيف: ” ندرك تماماً أنه ليس بالإمكان حالياً تطمين االمواطن حيال هذه الأزمة وغيرها من الأزمات قبل الإتفاق على كيفية معالجة المرحلة المقبلة، وهذه المعالجة تتطلب أولاً وجود حكومة فاعلة، بغض النظر عن شكلها، يكون لديها رؤية واضحة للمرحلة المقبلة، وتكون قادرة على كسب ثقة الجهات العالمية من أجل الحصول على الدعم الكافي للنهوض مجدداً. ونحن اليوم كنقابة على تواصل مع الجميع من وزارة الصحة الى وزارة الإقتصاد الى مصرف لبنان، ولكن حتى هذه اللحظة لا توجد أي رؤية للمرحلة المقبلة”.
ينفي جبارة في ختام حديثه وجود أي خطة بديلة في حال تقرر رفع الدعم عن الأدوية، ويقول: أتمنى ان لا نصل إلى هذه المرحلة، لأن رفع الدعم له سلبيات عديدة بعيداً عن تنامي سوق السوداء، الذي برأيي، لن تستطيع تأمين العملات الأجنبية للجميع. فحجم هذا السوق بحسب حاكم مصرف لبنان لا يتجاوز المليار ونصف دولار، في المقابل تبلغ قيمة إستيراد المواد الأساسية فقط نحو 7 مليار دولار سنوياً، وبالتالي كيف نستطيع تأمين المواد الأساسية من سوق السوداء!
لذلك نقول إن رفع الدعم سيكون مكلفاً جداً على المواطن اللبناني أولاً، من ثم على الإقتصاد المنهك ثانياً، وفي حال طُبق هذا القرار سنكون أمام كارثة حقيقية سينجم عنها فقدان العديد من الأدوية. وبما ان الطبيعة لا تحب الفراغ فسيمتلىء السوق بالأدوية المهربة والمزورة، وبالتالي سنكون أمام أزمة جديدة قد لا تُحمد عُقباها، لذلك على الجميع تدارك خطورة هذا الأمر قبل فوات الأوان! وباعتقادي لن نصل الى هذه المرحلة، بل على العكس تماماً، لذلك على المسؤولين العمل بطريقة جدية من أجل وضع رؤية واضحة للمرحلة المقبلة من خلال حكومة منتجة، تعمل على كسب ثقة الداخل والخارج، لاسيما أن المعطيات العالمية تصب اليوم في مصلحة لبنان، وهناك نيّة جدية خارجية لمساعدتنا من أجل الخروج من أزمتنا، وإلى أن تأتي هذه المساعدات نتمنى من الجميع تحييد القطاع الصحي من أي قرار يتعلق بإمكانية رفع الدعم.
أما بالنسبة للمواطنين فنحن نتفهم تهافتهم اليوم من أجل شراء أدويتهم، ولا أحد يستطيع وضع نفسه مكان المريض، ولكن يجب أن نساعد بعضنا البعض في هذه المرحلة الدقيقية، وأن لا نعمد إلى تخزين الأدوية، لأننا بهذه الطريقة نساهم في إنقطاعها وبالتالي حرمانها عن بقية المواطنين، وتحديداً الفقراء الذين لا يستطيعون التخزين أصلاً”.

spot_imgspot_img
[tds_leads title_text="Subscribe" input_placeholder="Email address" btn_horiz_align="content-horiz-center" pp_checkbox="yes" pp_msg="SSd2ZSUyMHJlYWQlMjBhbmQlMjBhY2NlcHQlMjB0aGUlMjAlM0NhJTIwaHJlZiUzRCUyMiUyMyUyMiUzRVByaXZhY3klMjBQb2xpY3klM0MlMkZhJTNFLg==" f_title_font_family="467" f_title_font_size="eyJhbGwiOiIyNCIsInBvcnRyYWl0IjoiMjAiLCJsYW5kc2NhcGUiOiIyMiIsInBob25lIjoiMzAifQ==" f_title_font_line_height="1" f_title_font_weight="700" msg_composer="success" display="column" gap="10" input_padd="eyJhbGwiOiIxNXB4IDEwcHgiLCJsYW5kc2NhcGUiOiIxMnB4IDhweCIsInBvcnRyYWl0IjoiMTBweCA2cHgifQ==" input_border="1" btn_text="I want in" btn_icon_size="eyJsYW5kc2NhcGUiOiIxNyIsInBvcnRyYWl0IjoiMTUifQ==" btn_icon_space="eyJwb3J0cmFpdCI6IjMifQ==" btn_radius="3" input_radius="3" f_msg_font_family="394" f_msg_font_size="eyJhbGwiOiIxMyIsInBvcnRyYWl0IjoiMTEiLCJsYW5kc2NhcGUiOiIxMiJ9" f_msg_font_weight="500" f_msg_font_line_height="1.4" f_input_font_family="394" f_input_font_size="eyJhbGwiOiIxMyIsInBvcnRyYWl0IjoiMTEiLCJsYW5kc2NhcGUiOiIxMiJ9" f_input_font_line_height="1.2" f_btn_font_family="394" f_input_font_weight="500" f_btn_font_size="eyJhbGwiOiIxMyIsImxhbmRzY2FwZSI6IjExIiwicG9ydHJhaXQiOiIxMCJ9" f_btn_font_line_height="1.2" f_btn_font_weight="700" f_pp_font_family="394" f_pp_font_size="eyJhbGwiOiIxMyIsImxhbmRzY2FwZSI6IjEyIiwicG9ydHJhaXQiOiIxMSJ9" f_pp_font_line_height="1.2" pp_check_color="#000000" pp_check_color_a="var(--metro-blue)" pp_check_color_a_h="var(--metro-blue-acc)" f_btn_font_transform="uppercase" tdc_css="eyJhbGwiOnsibWFyZ2luLWJvdHRvbSI6IjYwIiwiZGlzcGxheSI6IiJ9LCJsYW5kc2NhcGUiOnsibWFyZ2luLWJvdHRvbSI6IjUwIiwiZGlzcGxheSI6IiJ9LCJsYW5kc2NhcGVfbWF4X3dpZHRoIjoxMTQwLCJsYW5kc2NhcGVfbWluX3dpZHRoIjoxMDE5LCJwb3J0cmFpdCI6eyJtYXJnaW4tYm90dG9tIjoiNDAiLCJkaXNwbGF5IjoiIn0sInBvcnRyYWl0X21heF93aWR0aCI6MTAxOCwicG9ydHJhaXRfbWluX3dpZHRoIjo3NjgsInBob25lIjp7ImRpc3BsYXkiOiIifSwicGhvbmVfbWF4X3dpZHRoIjo3Njd9" msg_succ_radius="2" btn_bg="var(--metro-blue)" btn_bg_h="var(--metro-blue-acc)" title_space="eyJwb3J0cmFpdCI6IjEyIiwibGFuZHNjYXBlIjoiMTQiLCJhbGwiOiIxOCJ9" msg_space="eyJsYW5kc2NhcGUiOiIwIDAgMTJweCJ9" btn_padd="eyJsYW5kc2NhcGUiOiIxMiIsInBvcnRyYWl0IjoiMTBweCJ9" msg_padd="eyJwb3J0cmFpdCI6IjZweCAxMHB4In0=" f_pp_font_weight="500"]

Related articles

“100 مليون لكل عمل”.. الشّامي 7/7 في عامٍ واحد

"100 مليون لكل عمل".. الشّامي 7/7 في عامٍ واحد! يُواصل...

جوائز “بيلبورد” عربية 2024… “ميوزك إز ماي لايف” تتفوّق بـ19 ترشيحاً!

أطلقت شركة “ميوزك إز ماي لايف” لإدارة أعمال الفنّانين...

تكريم لمياء جمال في مهرجان “عيون للإبداع الفنّيّ” بدورته الـ16‎

في إطار فعاليات مهرجان “عيون للإبداع العربيّ” بنسخته السّادسة...

بين أنجي قصابية وسيلفستر ستالون قصة نجاح وصداقة

تعود علاقة الصداقة بين أخصائية التغذية اللبنانية أنجي قصابية...
spot_imgspot_img